مقالات

معركة الوعي في مصر:كيف نخسر الأجيال بصمت؟

بقلم الإعلامية نور صبحي

نحن اليوم أمام كارثة حقيقية لا تقل خطورة عن أي تهديد يمس أمن الوطن، لكنها للأسف تمر دون وعي كافٍ من المجتمع. كارثة تهدد العقل والهوية والثقافة، وتستهدف أخطر ما نملك: الأجيال الجديدة.

مصر، دولة الحضارة، دولة السبعة آلاف عام، دولة العلماء والمفكرين والفنانين، دولة الريادة الثقافية و”هوليوود العرب”، أصبحت اليوم ساحة مفتوحة لانتشار التفاهة والإسفاف الأخلاقي تحت مسمى “الترند”.
ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مجرد محتوى خفيف أو ترفيه عابر، بل أصبح منظومة متكاملة تروّج لرسائل خطيرة، مفادها أن:
العلم لا قيمة له
العمل والاجتهاد لا فائدة منهما

الطريق إلى الشهرة والنجاح يمر عبر العبث، والإسفاف، وكسر القيم
الأخطر من ذلك، أن هناك تمويلًا غير طبيعي وانتشارًا ممنهجًا لمحتوى تافه، يتم تضخيمه ودعمه ليصبح وقودًا دائم الاشتعال على المنصات الرقمية، بينما يتم تهميش المحتوى الهادف والعلمي والثقافي.

نرى اليوم أشخاصًا لا يمثلون إلا أنفسهم، لا يمتلكون أدوات التعبير الراقي ولا الخطاب المتزن، يستخدمون التفاهة كوسيلة للنجاح، ويصل عدد متابعيهم إلى ملايين، ويتم تقديمهم باعتبارهم “مؤثرين”، رغم أن تأثيرهم الحقيقي هو تدمير الذوق العام وتشويه الوعي.

حتى المناسبات الشخصية، التي يفترض أن تكون إنسانية وخاصة، تحولت إلى أدوات للترند والاستعراض، وأصبحت حديث وسائل التواصل، لا لقيمتها، بل لقدرتها على إثارة الجدل وجذب المشاهدات.

النتيجة؟
شباب يقلد بلا تفكير.
طريقة لباس مشوهة.
لغة حوار مروعة.
سلوكيات دخيلة.
وقَصّات شعر وهوية مستوردة.
والمعيار الوحيد: “المهم الترند”.

نحن لا نتحدث هنا عن حرية تعبير، فحرية التعبير لا تعني نشر الفساد الأخلاقي أو تسطيح العقول. ولا نتحدث عن تنمّر أو عنصرية، بل عن مسؤولية مجتمعية ووعي وطني.
السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه: إلى أين نحن ذاهبون؟ وكم جيلًا سنخسر قبل أن نتحرك؟
مصر لا ينقصها الإبداع، ولا المواهب، ولا العقول اللامعة، لكنها تحتاج اليوم إلى:
رقابة واعية ومسؤولة على المحتوى
دعم حقيقي للمحتوى الثقافي والتعليمي
محاسبة من يموّل وينشر الفساد الأخلاقي
إعادة الاعتبار للعلم، والقيم، والعمل، والقدوة الحقيقية
إن لم تكن هناك وقفة حقيقية الآن، فإننا سنكون – دون مبالغة – شركاء في تدمير أجيال بأيدينا.

حماية الوعي ليست رفاهية،
والثقافة ليست خيارًا،
بل ضرورة وجودية لحماية “أم الدنيا” من السقوط في هاوية التفاهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى