من القلب.. ” الصراحة ما بين الصدق والتجريح” بقلم د/ مها علي دليور

بعضهم يطلب منك أن تكون صريحا معه ولا تستغفله ولكن هذا الشخص في الغالب لا يعي وقع الصراحة عليه، هو نفسه قد يكون صريحا مع غيره وكلماته كالخنجر يطعن بها محدثه ويقول أنا صريح، ويواصل أنا لا أحب أن أخدع غيري أو أحد يخدعني، في الحقيقة كلماته موزونة مئة بالمئة.
ولكن هذا يوقعنا في مأزق ما بين الصدق والكذب والصراحة والخداع ومشاعر أحبائنا وأصحابنا واحترامنا لذاتنا، فلا بد أن نمزج كل هذه المكونات لنخرج بوصفة جيدة تتناسب مع الجميع، لو وضعنا الصدق نصب عيننا وجعلناه حكما نمشي به في الأرض سيكون سلاحا لمن يريد أن ينتقم من أحد أو يجرحه أمام الناس أو غير ذلك وتتحول الصراحة إلى وقاحة ويبرر أنا لم أقل إلا الحقيقة ولذلك فالصدق وحده ليس حلا؛ ولكن لا بد من الحكمة والذكاء حتى ندير حياتنا كيفما نشاء ونصل إلى هدفنا المنشود.
قد تكون صادقا بطريقة تجرح بها قلبا أو تكسر بها خاطرا أو تفتش بها سرا ، ولقد أبيح الكذب في بعض الحالات من أجل الإصلاح، فليس الصدق دائما هو الحل الأمثل، فإن كنا نكذب لنجمل أفعالنا ومظهرنا، فالأولى أن نزين كلماتنا الصادقة ليكون وقعها على النفس خفيفا ومقبولا، وهذا لن يخرجك عن إطار الصراحة، وسيبعدك عن الحبل الشائك بين الصدق والتجريح، وهذا يعتمد في المقام الأول على شخصك؛ فهل أنت من النوع الذي يراعي الناس و يحافظ على مشاعرهم أم أنت ممن يطلق عليه تلقائي و ” اللي في قلبه على لسانه” هذه الجملة التي تخرج أكبر زعماء التجريح في العالم من سلوكهم السيء وتضعهم في خانة “الطيب” – اللي ما يتاخدش على كلامه- وهو فعلا قد قال ما في قلبه و بالفعل مزق مشاعر من أمامه و دمر إحساسه.
وهناك شخص لا يعي أثر ما يقول و يظن أنه بذلك أنار عقل محدثه و جنبه خطرا قد يقع فيه إذا لم يصارحه بالحقيقة المُرة، أو أنه يبرر كلماته الجارحة ب “أخبره أنا خير من الغريب” معتمدا على المقولة:
” يا بخت مين بكاني ومضحكش الناس عليا”
وفي هذه الحالة سيكون الغريب أفضل عنده منك لأن الناس تحب و تنجذب و تنقاد بأذنها ولذلك يقولون “نهش الأسنان ولا نهش اللسان”، و”أشد السموم فتكا هو سم اللسان” فكن على حذر مما تلقيه على مسامع غيرك لأنه سيتسلل إلى قلبه ويبعده عنك أو يقربه منك.
د/ مها علي دليور