السعادة.. الوجه الآخر من العملة..!!

بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
شعور ساحر كما الأحلام الجميلة لا نود أن نستيقظ أو نفيق منها..
إحساس يقترب ببطء و يبتعد بسرعة، لكننا نرغب دائماً في بقائه أبدا..!!
السعادة زمن بخلاف الزمن نكون فيه أحراراً، نركض فيه دون سبب رغم إننا لم نغادر أماكننا.. نضحك بلا تحفظ.. و قد نبكي من الفرحة المتولدة عنها بلا خجل، نؤمن وقتها أن العالم آمن.. و بسيط.. مملوء بالمودة و بالحنان والرحمة.. يخلو من الغدر والخداع والزيف والتعقيد..!!
مع السعادة نعيش أجمل لحظات أعمارنا، والأجمل أن هذه اللحظات تتحول بعد ذلك إلي حنين نطارده كلما ضاقت بنا الحياة فوضعت أثقالها فوق كواهلنا و حاوطتنا مصاعبها و همومها، الحياة كالعملة تماماً لها وجهان، السعادة هي الوجه المختبيء لها الذي طالما نبحث عنه رغم أنه قد يكون أقرب ما يكون منا..!!
جزء من سعادتنا آني و لحظي بأسبابه القائمة والجزء الأكبر أراه يتمثل في ذكرياتنا عندما تنتهي هذه اللحظة القائمة و تتحول إلي ماضٍ يبتعد شيئاً فشيئاً و مع ابتعاده تصبح السعادة ذكري ساكنة في أعماقنا.. تمر أمام مُخيلتنا مع أحداثنا اليومية و أحاديثنا العابرة، مع سماع لحن قديم أو رؤية صورة مشتركة أو حتي عند المرور بأماكن كانت لنا يوماً كل العالم و اتساع الكون و رحابة الدنيا..!!
في السعادة إذن كما في الألم، الماضي لا يموت تماماً بل غالباً ما يترك نَدبة..!!
ندبة السعادة بمثابة لحظة منها لم يكتب لها القدر أن تكتمل، حالت الحواجز العالية و الجدران المرتفعة أن تمتد جسورها بينها و بيننا، الأمثلة علي ذلك كثيرة متعددة.. فرحة نالت منها لحظة وجع.. دفء لم ننهل منه إلي حد الشبع.. حب قيدته الظروف الصعبة منعت بينه و بين أن يُكتب له الاستمرار والبقاء.. أو تفاصيل حلوة عذبة قد عشناها بحماس متدفق لم تدم كما كنا لها نتخيل و نتصور..!!
موقفنا تجاه هذه الندبات مختلف، البعض يتعامل معها كذكري تشاغله من وقت لآخر و هو لها مبتسماً، و بعضنا الآخر يحملها داخله بشيء من الحسرة و الندم والعذاب والألم، لكن يبقي في الحالتين أنه لا يمكن إنكار أن السعادة في أبسط أشكالها هي الزمن الوحيد الذي يمر بنا و لا نشعر فيه بعبء التفكير تجاه المستقبل ولا بالخوف من التعامل مع الحاضر .. لحظات من العمر بلا قلق أو عناء ولا حساب أو حتي أية احتمالات لما تلاها من لحظات..!!
الفطرة في لحظات السعادة تمنحنا أوقاتاً طليقة حرة.. جميلة و مبهجة، بعيدة عن القيود و الشروط المادية العسيرة للحياة من حولنا بقسوتها و بكل متاعبها، لذلك فإن من أسوأ ما يمكن أن يرتكبه المرء من فعل دنيء أن يسرق هذه اللحظات من إنسان آخر أو يحرمه منها فيحول بساطته إلي تعقيد و إقباله إلي نكوص و إدبار مفاجيء و أمنه إلي ترويع و شغفه إلي تراجع، و ابتسامته إلي حزنٍ ظاهر، و أكثر ما في الأمر قتامة أن تتبدل حلاوة البراءة والأمان لديه إلي مرارة الآثام والخذلان المميت القاتل..!!
الأبلغ سوءاً من سارق السعادة هو من يُضيعها بنفسه من بين أياديه..!!
نظل نتساءل بعد عمراً بأكمله من التعاسة والصراع والمعاناة متي تمنحنا الأقدار لحظة واحدة فقط من السعادة وعندما نجدها لا نلبث أن نفرط فيها بكل سهولة وكأنها لم تكن، لا ندرك وقتها أنها كانت العلامة الفارقة لعمرٍ مشرق قادم يبدأ و آخر فائت قاتم ينتهي، علامة قد لا يجود بها الزمان مرة أخري و لا يسمح لها بالظهور مجدداً فيما بقي لنا من سنوات نعيشها..!!
ثم ماذا.. ؟!
السعادة قيمة من القيم الرائعة الخلابة النادرة في زماننا الحالي لا تحتاج فقط لمجرد البحث عنها، إنما كذلك لمن يحافظ عليها ولا يُهملها متي أدركها..
تبقي السعادة دائماً وفية لمن يَنشدها مُخلصاً و بكل ما أوتي من عزمٍ و تصميمٍ و قوة..
فهل نحن كذلك لها ومعها..؟!
#قلب_بلا_دموع