مقالات

التسيّب يُغرق أهالي المنوفية.. والمساءلة غائبة”

بقلم الكاتبة الصحفية: شيرين عصام

لم يكن ما حدث لأهالي المنوفية مجرد حادث عابر، بل جريمة مكتملة الأركان صنعها التسيّب، وغابت عنها يد الرقابة، وترك فيها المواطن البسيط وحيدًا يواجه مصيره. فقد عاش هؤلاء الأهالي لعقود داخل بيوت أُقيمت في مجرى النهر، دون أن يتوقف أحد من المسؤولين ليسأل: كيف يُسمح بوجود مساكن في منطقة مهددة بالغرق أصلًا؟

الحقيقة أن المواطن البسيط لا يملك القرار، وإنما يتبع ما يتيحه له الواقع. المسؤولية الحقيقية تقع على الأجهزة التنفيذية والرقابية التي سمحت بهذا الوضع الشاذ، وتركت الناس عرضة للموت في أي لحظة، ثم تُحاول الآن أن تُلقي اللوم على الضحية بدلًا من الجاني.

القضية ليست مجرد سيول أو أمطار أو فيضان، بل هي انعكاس لفوضى التخطيط العمراني والإداري، وغياب المحاسبة. ومن أمن العقاب أساء الأدب، فالمسؤول الذي لا يُحاسب على تقصيره سيظل يكرر الأخطاء نفسها، بينما المواطن هو من يدفع الثمن من حياته وبيته وأمان أسرته.

المطلوب اليوم ليس تطييب الخواطر أو إطلاق الوعود الفارغة، بل فتح تحقيق جاد وشفاف، ومحاسبة كل مسؤول قصّر أو تغاضى أو سمح بتكرار هذه الكوارث. فالمجتمعات لا تنهض بالمجاملات، بل بالعدل والرقابة الصارمة، وضمان ألا يتحول المواطن إلى ضحية دائمة لسوء الإدارة.

إن إنقاذ ما تبقى يبدأ من الاعتراف بالخطأ، ومنع تكراره، وإعادة النظر في كل المناطق العشوائية التي وُضعت دون دراسة أو تخطيط. فالمحاسبة ليست خيارًا، بل واجبًا إذا أردنا أن يكون للوطن مستقبل يحمي أبناءه بدلًا من أن يُغرقهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى