مقالات

الكتمان.. الصراخ بلا صوت..!!

بقلم ياسر سعيد

الصحفي بالأهرام

أن تبيت كل ليلة وتستيقظ كل صباح وأنت تحمل في صدرك ما لا يُقال، ولن يُفهم أو يَطيب لأحد حتي وإن قيل..

ليس سهلًا..
في أحيان كثيرة لا يكون خيارًا متاحًا نختاره بل قدرًا قد فُرض علينا حين لا نجد أمانا واطمئنانًا لنبوح ونتحدث بما نكدسه داخلنا خاصة عندما يتطلب الأمر من يُصغي إلينا بقلبه وشعوره بدلًا من مجرد الاستماع بحواسه، حينئذ يصبح الصمت أعظم لغات الأرض..

الكتمان..
أن تُصاب وأنت تَتَبسم..
أن تُخذل فلا تشتكي..
أن تدمع عيناك وحدك ثم تجففهما و كأن شيئاً لم يكن..
ليس هذا فقط، الكتمان أن تبدو دائماً صلبًا لا تُكسر، هادئًا.. صبورًا.. متزنًا.. لا يراك أحد حين تختلي بنفسك فتحدثها بالحوار الأصعب..

الكتوم كذلك يخاف أن يكون عبئًا علي الآخرين من حوله أو ثقلًا حتي علي أقرب الناس إليه، ليس لأنه لا يثق ولكن لأنه جرب البوح من قبل وذاق مرارة أن يُخذل من حيث لم يتوقع..

كل كتمان خلفه قصص حزينة لا تُروي.. ذكريات كلما مرّ عليها العقل يتألم، حنين لأيام كان فيها الكلام ممكنًا سهلًا أصبح البديل عنها حديث النفس مشافهًة أو مخاطبة الورق عبر القلم ليكتب الرسائل التي لم – ولن – تُرسل والتعبيرات والمشاعر التي جاهد اللسان لاخفائها عن أن تُنطق والقلب لحفظها طوال العمر..

الكتمان في أرقي معانيه ورغم ألمه هو نوع من الحب، حب الذات حين نرفض أن نذلها لأحد أو نأبي أن نظهر بعض ضعفنا، ونتلذذ ببقاء صورتنا علي حال الصمود ووضع الصلابة وبمنتهي القوة، كذلك هو حب لمن يحيطون بنا حين لا نرغب في تحميلهم شواغلنا وهمومنا ورغم كل هذا قد نتحدث إليهم بكل طلاقة وصراحة إن وجدنا منهم تشجيعًا عن اهتمام واطمئناناً عن قبول وصدق..

الكتمان عسير شاق..
معه علينا أن نعيش بالنصف في كل شيء، نصف قلب.. نصف أمل.. نصف لسان..حتي النظرات كي لا تفضحنا العين، المكتمل الوحيد مع الكتمان هو الوجع، يمر الجميع معتقداً أننا بخير، بينما الحقيقة خلاف ذلك تمامًا، وتزداد المعاناة كلما كانت قدرتنا علي الإخفاء أكبر وبراعتنا في عدم التلميح أعظم..

هل الكتمان ضعف..؟
ليس هذا هو المقياس الصحيح لتقييم الكتمان.. أبداً، إنه شكل من أشكال النجاة ومداواة الجرح بأنفسنا لأنفسنا حينما لا نجد من يُمسك أيادينا و يخطو بنا نحو مربعات الراحة و الأمان..

المشكلة الحقيقية مع الكتمان هي ما يُربيه و يُنميه في نفوسنا من آثار وتداعيات، فكل ما لم يقل قد استحال جدرانًا عالية بيننا وبين الناس، و تبدأ عفويتنا في التراجع ورغبتنا في المرح تتناقص، بل حتي قدرتنا علي الحب قد تخبو و تخفت ويصيبها الذبول في مقتل إن لم يتم تدارك كل هذا في وقته المناسب..

لا أحد يعلم ألم الكتمان إلا من جربه، ولم يسمع شخص واحد نداءات الكتوم التي أطلق صراخاتها داخله دون صوت، ويبقي أكثر أوجاع الكتمان أنه يترك ندبة غائرة تمامًا في القلب في الوقت نفسه الذي لا يوجد أي أثر ممكن أن يراه الناس عليك بمجرد العين..

#قلب_بلا_دموع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى