التيك توكرز والثراء المشبوه… من أين لكم هذا؟!”

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
بين ليلة وضحاها، ظهر جيل جديد من “النجوم” لا يمتلكون موهبة فنية، ولا إنجاز علمي، ولا حتى مسارًا مهنيًا محترمًا، ومع ذلك تراهم يتنقلون بين السيارات الفارهة والفلل الفاخرة، ويتحدثون على الملأ عن أرباح يومية تتجاوز ما يجنيه طبيب أو مهندس في عام كامل. هؤلاء هم ما يُعرفون اليوم بـ”التيك توكرز” — صناع المحتوى الذين يزدهرون على منصة تيك توك بمحتوى سطحي أو هابط في كثير من الأحيان.
السؤال الذي يتردد على ألسنة الناس: “من أين لكم هذا؟!”
منصات التواصل ليست جريمة في حد ذاتها، بل هي أدوات حديثة من المفترض أن تُستثمر في التعليم، والثقافة، والإبداع. ولكن حين تتحول إلى بوابة للثراء السريع دون شفافية، تصبح موضع شك وتساؤل. كيف لشاب لا يتجاوز العشرين أن يشتري سيارة بملايين، ويعرض تفاصيل حياته الشخصية اليومية كأنها مسلسل واقعي بلا أي مضمون؟ وهل مجرد “الترند” وتفاعل المراهقين يمكن أن يصنع هذه الثروات الهائلة؟ أم أن هناك ما يُخفى خلف الستار؟
الغريب أن بعض هؤلاء لم يكونوا يملكون قوت يومهم قبل أشهر قليلة، ثم فجأة أصبحوا يشاركون في حفلات، ويوقعون عقود إعلانات، ويتحدثون بثقة عن مشاريعهم الجديدة وكأنهم خبراء اقتصاد.
المؤسف أن هذا “النموذج” صار قدوة مزيفة لجيل يبحث عن طريق سهل للنجاح، ويرى في التقليد الأعمى لهؤلاء اختصارًا للمجهود والتعليم والعمل الحقيقي. أخطر ما في الأمر أن هذه الثقافة تخلق فئة من الشباب تهرول خلف السراب، وتستهين بالقيم وتفقد الثقة في فكرة “الكفاح الشريف”.
نحن لا نُدين النجاح، ولا نحسد أحدًا على رزقه، لكننا كمجتمع نملك حق السؤال والمحاسبة، خاصة حين يتعلق الأمر بتأثير مباشر على عقول ونفسيات شبابنا. نطالب الدولة وهيئات الرقابة المالية بفتح ملفات الثروات السريعة، والتأكد من مصادرها، كما نطالب بوجود وازع مجتمعي يميز بين “المؤثر” الحقيقي و”المُؤثر المزيف”.
ختامًا، نقولها بصوت عالٍ: الثروة ليست جريمة، لكن الصمت على الثراء غير المبرر جريمة بحق الوطن.