غُرباء … “زوجة مقهورة” بقلم الأديب د. طارق رضوان جمعة

الحب بضيق مساحته ذكر
والمحبة بسموها أنثى.
والظلم بوحشيته ذكر
والعدالة بميزاتها أنثى.( احمد شوقى)
تُرى لماذا اقتنعت حواء أن امل مرسوم خير من الم مكتوم؟ لماذا تحول النقاش بين الزوجين إلى شجار وسباب؟ لماذا صار الأزواج تحت سقف واحد غرباء؟ لماذا السفر والغربة لعنة على الزوجين رغم المكاسب المالية والحياة المترفه؟ لماذا تاقلمت حواء وارتضت الظلم؟كم من أم لم تحصد من أبنائها إلا العقوق؟ كم من زوجة مقهورة؟ كم من اخت مهدور حقها؟ كم من إبنة لم تجد حنان فى أسرتها؟ وكم من إبنة مدللة فى أسرتها عانت فى بيت الزوجية من بخل مادى وعاطفى؟ لماذا تقبلى أن تعيشى نصف حياة، وكأن أحدهم سرق من أشيائك سر الكمال.
حين تقرأ كتاب (Why men love bitches) عن علاقة الراجل والمرأة، تجد الرجل يحب المرأة المتسلطة، بينما البنت الطيبة لا يُراعى أحد مشاعرها بل بالعكس دائما هى متهمة بالتقصير والبرود العاطفى.
الكتاب يتحدث عن فكرة العطاء: إنك تعطى الطرف الآخر أكتر من حقه، لدرجة أنه اعتقد أن هذا فعلا حقه المكتسب.، وليته يكتفى لكنه فيما بعد يتهمك بالتقصير والاهمال.
لكن العيب ليس بالطرف الأخر. العيب فينا نحن … لماذا؟ لأن الطرف الأخر فهم اهتمامك المبالغ فيه أنه محاولة منك لستر عيب أو نقص بك أو أنك محتاجه ولا يمكنك الاستغناء عنه مهما ظلمك. (الرغبة المبالغ فيها في ارضاء الأخرين علامة على الإفراط فى التعويض عن عيوب شخصية).
ثانياً الطرف الأخر لن يستطيع تقدير ما أتى له بسهولة، مما يجعله يتمادى فى استغلال مشاعرك بل الاستخفاف بها. فلابد أن تحترم نفسك وتحبها وتقدرها، وإلا لن يُقدرك الأخرون . أحترمها بإنك تعرف متى يكون العطاء وما يكون المنع، ومع مين وكيف… احترمها بإنك تصدّق إنها تستاهل تتحب بدون أي رسوم مقدمة! ولما لا؟! والبرد بلسعته ذكر
والحرارة بدفئها أنثى. والجهل بكل خيباته ذكر
والمعرفة بعمقها أنثى.
والفقر بكل معاناته ذكر
والرفاهية بدلالها أنثى.
حواء.. من أفسد قلبك ؟!
انتِ من أفسدت قلبك بنفسك بغفرانك المتكرر، باهتمامك المفرط، بتحملك لأشياء لا تُحتمل، بثقتك العمياء فيمن لا يستحقون الثقة،بطيبتك، بتقديم حبك واهتمامك ومشاعرك دون إنتظار مقابل. لم يفسد قلبك الا قلبك.
إذا أردتى منى النصيحة فإليكِ نصيحتى: عندما تشعرى أن نبضات قلبك بدأت تتزايد عندما يقترب أحدهم من محيطك … أرحلى. عندما تشعرى بأنك تغارى على أحدهم دون سبب منطقي .. أرحلى.
عندما تنتظرى سؤال أحدهم عنك .. أرحلى لا تنتظرى سؤاله ولا تسألى نفسك لماذا أنت تنتظرى سؤاله .. الإجابة معقدة وإن عرفتيها ستتعدد الأسئلة ! الرحيل الآن هو الإجابة الأفضل ! عندما يبدأ التلعثم بالحديث مع أحدهم .. أرحلى. عندما تشعرى بأن فلان مختلف .. وأن القصة مختلفة .. أرحلى. أرجوك أرحلى مباشرة.. أرحلى بدون أسباب .. صدقيني إنه الوقت المناسب لمغادرة المكان بسلام .. ربما تكون الفرصة الأخيرة للسلام !
ريما لا تمتلكى القدرة على عضلة قلبك ولكن بإمكانك تحريك عضلات قدميك وبإمكانك ان تلوحى بيديك مودعه .. ! إياك وميل القلب، فبعضهم لا يعرف عن ” الميل ” إلا أنه وحدة قياس للطول ! إن ترحلى الآن ستختصرى كم هائل من التفاصيل والمعاناة. ستختصرى كم هائل من الذكريات والوجع ..
أنا أعلم تماماً أنك لن ترحلى .. و أنك ستتجاهلى هذا النص ولن تنصتى إليٓ.. لأنني مثلك لم أرحل حينما كان علي الرحيل .. على أية حال احتفظى بهذا النص فقط !
حواء أتدرى لما تاء التأنيث لا محل لها من الإعراب؟ بُجيبك أمير الشعراء حين يقول:” الحرف بمحدوديته ذكر .. واللغة بشمولها أنثى.
والسجن بضيق مساحته ذكر
والحرية بفضائها أنثى.
والجحيم بناره ذكر
والجنة بنعيمها أنثى.
والتخلف برجعيته ذكر
والحضارة برقيها أنثى.
والمرض بذله ذكر
والصحة بعافيتها أنثى.
والموت بحقيقته ذكر
والحياة بألوانها أنثى.
يا تاء التأنيث يا ساكنة الفخر كله لكِ فلا محل لك من الإعراب لثقل وزنك وعظم قدرك: فالشمس في عليائها أنثى .. وكلُّ الطيبات بنات..
لحظة ثقة فى غير محلها تدمر الحياة:” إن محترفات الدعارة لايُنجبن اللّقطاء ، لأنهن لايثقن بأحد ، اللقطاء هم أبناء لحظة ثقة ! رواية
المقامرـ دستويفسكي.
كأن قلبك ساحة معارك، يحتاج إلى تنظيف جيد لتخرجى الهياكل العظمية منه بهدوء، هنا سقط الكثير، هنا مات كُثر، هنا سُفحت الكثير من الدماء الشعورية من أجل من لا يستحق.
يقول غابرييل غارسيا ماركيز: “رأيت امرأة ميتة يوم أمس، وكانت تتنفس مثلنا، ولكن كيف تموت امرأة وهى على قيد الحياة؟
تموت إذا فارقت وجهها الإبتسامة، إذا لم تعد تهتم بجمالها، إذا لم تتمسك بأيدي أحد ما بقوة، وإن لم تعد تنتظر عناق أحد، وإن اعتلت وجهها إبتسامة ساخرة حين يمر بخاطرها حديث حب،
نعم تموت امرأة وهي حية ترزَق، تعلن الحداد داخلها، تعيش مراسم دفنها لوحدها ثم تنهض، ترتّب شكلها، تمسح الكحل السائل تحت عينيها، تعيد وضعه، ثم تخرج للعالم، واقفة بكامل أناقتها، تتنفس وربما مبتسمة وتضحك، لكنها ميتة ولا أحد يعلم أنها جوفاء محترقة.
تموت المرأة وهي حية حين تنكسر وتُهجر دون سبب، حين يخذلها حبيب كان يمثل لها القدوة والسند، حين تعضها اليد التي كانت تتمسك بها بقوة فتفقد ثقتها بنفسها وبهذا العالم.
تموت المرأة حين لا يكون لها أي حق في اختيار حياتها، ويفرض عليها وضع يحط من قيمتها ويجعلها سلعة تباع وتشترى، وتموت ألف مرة حين تُخان وتُنتَهَكُ كرامتها باسم الحب أو العُرف، وتموت عند كل مرة تفقد فيها إحترامها لذاتها أولاً ولشخص كان يعني لها الكثير.
تموت المرأة حين يخذلها رجل يتجرد من رجولته كلما احتاجت وجوده بقربها فلا تجده، تموت المرأة حين تمس كرامتها وسمعتها وعفتها دون أن تستطيع الدفاع عن نفسها، فقط لأنها امرأة. وتموت كل امرأة خذلها زوج ضحت بعمرها لأجله، وتحدت الجميع لتتزوجه، فكان جزاؤها النكران والهجر بعد عشرات السنين، وتلك ام صامت عن ملذات الحياة ليستمتع بها وليدها، فنسيها حين كبر وتركها لغرباء يعتنون بها بعد أن وهنت وضعفت، وهذا أب حرمها حقها من الحب والحنان والحماية والتعليم وحتى الميراث، فقط لأنها أنثى.
فكم من امرأةٍ تعيش بيننا تتنفس، لكنها ماتت منذ زمن، إنطفاء بريق الأمل والقوة في عينيها هو أولى علامات موتها.
علموا أولادكم أن الأنثى أمانة، أن الأنثى كرامة، أباً كنت، أخاً، ابناً أو زوجاً، كن لها السند والعضد تكن لك دنيا بأكملها: رفيقة حياة وتوأم روح وأماً وإبنة حبيبة قريبة.
علموا أبناءكم أن الأنثى هي الكيان والسكن والوطن، علموهم أنها الأم والجنة تحت قدميها، وأن حضنها سيحتويك ويطمئنك خائفاً كنت، مريضاً، سعيداً مذنباً أو بريئاً، وأن خيركم خيركم لأهله. احكوا لأبنائكم كيف كان نبينا الكريم مع حواء.



