مقالات

هل للقاضي أن يقضي في مسألة دون وجود النص القانوني؟

بقلم الدكتور محمد عويان المحامي بالنقض

الأصل أن القاضي مقيد بنصوص القانون ولكن متى يحق له أن يقضي حال عدم وجوده؟

من المعلوم بالضرورة أن نص المادة الأولى من الأحكام العامة لنصوص القانون المدني رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨ والمعمول به حاليا . نصت على أن ” ١) تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها. ٢) فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى العرف، وإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة”.

فالنصوص التشريعية تعني أن القوانين المكتوبة هي المصدر الأساسي لتطبيق القانون على المسائل المختلفة في لفظها أو في فحواها: فالقانون يطبق سواء كان النص واضحًا وصريحًا (في لفظه) أو يحتاج إلى فهم وتفسير (في فحواه).

ولكن ماذا لو لم يوجد نص تشريعي يغطي مسألة معينة، هنا يتم اللجوء إلى مصادر أخرى للقانون، وهي العرف، ومبادئ الشريعة الإسلامية ، ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

والمقصود بالعرف هو العرف المشروع والسائد بالمجتمع ومبادئ الشريعة الإسلامية كما جاءت بها الشريعة الغراء، أما عن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة فهما مصدران للقانون يرتكزان على مبادئ وقيم أخلاقية تتجاوز القوانين الوضعية (المكتوبة). فالقانون الطبيعي يشير إلى مجموعة من المبادئ الأخلاقية والقواعد التي يعتبرها العقل السليم أساسية لتنظيم العلاقات الإنسانية، ويعتقد أنها متأصلة في طبيعة الإنسان وتتسم بالشمولية والخلود؛ أما عن قواعد العدالة، فإنها تعني ضرورة تحقيق المساواة والإنصاف في تطبيق القانون، بحيث يعامل الأفراد المتشابهون بنفس الطريقة.

ببساطة، هذه المادة تحدد ترتيب مصادر القانون في حالة عدم وجود نص قانوني صريح يغطي المسألة:
القانون: المصدر الأساسي.

الشريعة الإسلامية: في حالة عدم وجود قانون.
العرف: في حالة عدم وجود قانون أو مبادئ في الشريعة.

مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة: في حالة عدم وجود أي من المصادر السابقة.
وقد جاءت أحكام محكمة النقض متضمنة تطبيق هذا النص من الأحكام العامة لنصوص القانون المدني ١- التحقق من قيام العرف متروك لقاضي الموضوع. وإذ كان الحكم قد نفى وجوده بأسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
الطعن رقم ٥٧٨ لسنة ٣٥ ق جلسة ٢٢ / ٤ / ١٩٧٢.

٢- متى كان المطعون ضده لم يدع أمام محكمة الموضوع بوجود عرف تجاري يقضي بسرطان الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بالدين الأصلي فإنه لا يجوز له أن يتحدى بهذا العرف لأول مرة أمام محكمة النقض.

الطعن رقم ٣٩٢ لسنة ٣٤ ق جلسة ٦/ ٦ / ١٩٦٨.
٣- لما كان ما يثيره الطاعن من أن العرف جرى على قيام الجهات الإدارية بمثل التسهيلات الواردة بسببي النعي عار من الدليل لعدم تقديمه دليلا على قيام هذا العرف ولعدم إشارة الخبير إليه في تقريره كما لم يرد في مدونات الحكم المطعون فيه ما يدل على أن الطاعن سبق له التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز عرضه لأول مرة أمام محكمة النقض.
الطعن رقم ٨١١ لسنة ٤٣ ق جلسة ١٦/ ٥/ ١٩٧٧.

نخلص إلى أن القاضي اذا لم يجد نص قانوني يقضي في مسألة معروضة عليه ، فإنه يجوز أن يقضي فيها بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يكن فيكون بمقتضى العرف ، وأخير ا إذا لم يكن فيكون بمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى