الخسائر.. بين جمر السقوط وإعتلاء جبال المجد..!!

بقلم ياسر سعيد
الصحفي بالأهرام
رفيق دائم يتردد علينا بين الحين والآخر خلال مسيرة الحياة، قد يتمثل في خسارة تجربة ما.. فرصة ما.. موقف مؤثر.. شخص.. وغيرهم الكثير..
كلمة الخسارة ليست كما يتبادر إلي الذهن فور سماعها، لا تعني علي وجه التعميم الأزمة المالية أو الهزيمة الرياضية أو ما شابه ذلك من ماديات الحياة، الأعظم من ذلك هي خسائرنا في محفل الحياة الشخصية نفسها..
كجزء لا يتجزأ من النسيج الإنساني لنا جميعًا وداخل عالم نعيش فيه ويتغير بسرعة جبارة من حولنا نجد أنفسنا ودون استثناءات نتعرض جميعًا للحظات تتطلب منا الاعتراف برحيل الفرص أو انتهاء تجارب نخوضها لغير صالحنا أو حتي الرضوخ لقدر فقدان الأحبة حينما يغيبهم الموت..
الصعوبة الحقيقية لا تكمن في وقوع الخسائر بل في كيفية تقبلها والتعامل معها، وقتها نجد أنفسنا في مفترق طرق واسع جدًا إلا أن تجاوزه وعبوره يقبع بالضرورة خلف قبول الخسارة والتصالح معها ثم رؤيتها كدرس مجرد يفرض علينا الحكمة ويدفعنا إلي التعلم والفهم..
أكثر وأبلغ ما يساعدنا علي قبول خسائرنا هو إدراك أنها والمكاسب وجهان لعملة واحدة، الاحتفاظ بها يعني الرضا بوجهيها معًا.. نحتفل بالمكاسب والفوز فيصبح من اللائق بنا أن نستفيد من أوقات الخسائر والهزائم بدلًا من إنكارها لأن في هذا الأخير إعاقة للتطور الشخصي وتكبيل للإمكانات وتقييد للتقدم نحو الأمام بأغلال البقاء محلك سر..
تقبل الخسائر – ولو مؤقتًا – هو البوابة الملكية للإبداع والانطلاق والتميز في الكثير من الأحايين والتحدي هنا هو سيد الموقف..
تأتي بعد ذلك شجاعة النهوض من جديد وهو قرار فردي يتخذه الخاسر بعد ما مضي من درس إذا ما معني أن نخسر إن لم نصبح أقوي وأقدر وأبلغ صلابة وإرادة في مواجهة أمواج الحياة..؟!
لكن من المهم هنا إدراك قيمة النقد الذاتي بما لنا وما علينا، معرفة قدر وفائدة التأمل في أنفسنا من أجل وضعها بشكل سليم علي طرق ومدارج التطوير بوعي ودقة وبكل سلاسة..
أغلب حكايات النجاح الكبري في كل المجالات حتي في قيادة المجتمعات نحو الأفضل نبعت من عيون وآبار عميقة للخسران، حكايات طويلة مؤلمة تلاها عزم واجتياح لأي حاجز صعب، التاريخ لا يروي لنا قصص المجتمعات فقط في ذاك الشأن، الأفراد كذلك يكتبون تاريخهم بعد صناعته إما بعبارات وجمل قوية من ذهب يلمع وإما بحروف متعثرة من الصفيح الذي أنهكه فوق رخص ثمنه عفن الصدأ..!!
هؤلاء لا يفعلون هذا إلا بإيمانهم بمقدراتهم وبالتصميم الرهيب علي تحويل أنسب الاحتمالات لهم إلي واقع فعلي ملموس يعيشونه بسعادة قبل أن تراه العيون من حولهم وتغبطهم عليه..
وتبقي الخسارات مرآة حقيقية تعكس حقيقتنا وهي فرصة – قد تتكرر – تمنحها لنا الدنيا للنضج والتفكير وإعادة التقييم والبناء والأهم هو إرساء دعائم وأسس الثقة بالله عز وجل وبالنفس..
الخوف الحقيقي لا ينبغي أن يكون من الخسائر.. أبدًا، وإنما من التفريط في فرصتها للتعلم ومن دروسها لبلوغ أقرب الخطوط نحو الكمال..
الصابرون علي جمر لحظاتهم العسيرة هم وحدهم القادرون علي بناء المجد.. !!
#قلب_بلا_دموع