الكَذِب.. اللعنة للأبد..!!

بقلم ياسر سعيد
الصحفي بالأهرام
ليس مجرد انحراف عن الصدق..
الكذب محاولة سوداء شديدة القتامة لإعادة تشكيل الواقع، محاولة غريبة خاطئة لخلق قصة بل عدة قصص بديلة لتخفيف وتزييف وتبديل الحقائق..
قيد فولاذي صعب يضعه الكاذب حول نفسه بالكامل لأنه لن ينجو من فعلته غالباً وإنما سيتحول بمرور الوقت إلي سجين دائم لها، مضطراً لتكرارها وتغطية ثغراتها وإخفاء كل آثارها الممقوتة البغيضة..
الكذب لعنة أبدية..
لحظة سقوط لفاعله.. إنحدار بأشد ما يكون الاندفاع نحو هاوية احتقار الآخرين له متي أدركوا فعلته الصادمة..
وصمة دامغة بفقدان العقل والأهلية وليس فقط غيابه و تحجيبه، تجرد كامل من أسمي المشاعر الإنسانية.. الصدق والوفاء والنُبل والأمانة..
يدفع الكذب بقائله لنسج المزيد من الأوهام حول كذبته ولو كانت وحيدة، ودون أن يشعر يجد نفسه عاجزاً عن التفريق بين ذلك الوهم و بين الواقع الصحيح..
الكذب مرض..
تكمن غاية المشكلة أن الكاذب لا يضلل من يعرفهم فحسب بل يربك نفسه ويضل هو الآخر في النهاية.. يصبح وعيه بحياته مشوشاً، يعيش في عالم مزدوج واحد يقدمه للمضحوك عليهم و ذلك الثاني هو الصواب الذي يخشاه..
في البداية يكون الكذب أداة للهروب ثم قناعة فهَوية للحياة لكن العقل والقلب والتفكير يرفضون جميعاً تصديقه داخلياً.. قد بالغ الكذاب الأشِر في التمويه والخداع..
يقنع الكاذب نفسه بما يقول فيرفض تماماً الشعور بالذنب كأحد أهم مراحل العلاج والتعافي..
الكذب متاهة للضياع..
متاهة شديدة الالتفاف يصعب الخروج منها رغم أن دخولها يكون بكامل الإرادة الحرة..
شعور بالضعف.. نقصان القوة.. افتقاد الحد الأدني من درجات الثقة في النفس وفي الدنيا بأكملها..
الكاذب يعتقد أن الحقائق ستخذله و سيفقد الاهتمام أو المكانة رغم صحة الضد والعكس.. الكذب هو سلب المكانة، خوف مستمر من الانكشاف وافتضاح الغش والزيف وهذا الخوف هو ما يؤدي في النهاية لارتباك التصرفات ومن ثم الانهيار..
ربما بعض الحقائق لدينا مؤلمة و هذا ينطبق علينا جميعاً.. لا أحد قد بلغ الكمال، لكن الاعتراف بأن الحقائق لا تُرهق الروح – كما يفعل الخداع – بديهي وطبيعي..
مع الكذب تمر الأيام بقلق بالغ.. حذر.. يراقب الكاذب أحواله.. كلماته.. سكناته.. حركاته.. يزول سلامه الداخلي و يستبدله بحالة من الحرب النفسية بلا نهاية..
الكذب لم يكن أبداً طريقاً لتحقيق الطموحات.. ربما ساعد أول السير فقط، اقتضت حكمة الإله الأعظم الا يبقي كاذباً واحداً جالساً في أعلي هرم الحياة..
ربما جلس لحظات سريعة معدودة قبل أن يقع و يرتطم بأرض الصراحة والفضيحة..
هل من حلول..؟!
نعم لكنها شديدة القسوة بعد درساً لا يُنسي بسبب كذبة..!!
الكذب هش الأساسات..
تقويض للجمال الساكن في الصدق و الراحة التي تصحبه في الحِل و الترحال..
معاناة للأبد.. رؤية فقيرة للعالم بمحدودية نظر الكذاب.. سجناً وحصاراً لا ينتهي الا إذا واجه الشخص نفسه في مرآته وعمل علي اصلاح ما فات وعزم عزماً أكيداً علي عدم التكرار.. دائماً و أبداً لا يحدث ذلك إلا بعد أن يفيق الكاذب علي كارثة مدوية تزلزل أركانه و تهز بنيانه و تؤلمه بأقوي ما تكون الآلام..
بعضاً من علاج الكاذب في هذا إن لم يكن هو كل العلاج..!!
#قلب_بلا_دموع