المطلقة في السينما المصرية.. بين قسوة الواقع وتشويه الصورة

بقلم: الكاتبة الصحفية شيرين عصام
على مدار عقود طويلة، ظلّت السينما المصرية – بما تمتلكه من تأثير قوي على وعي الجماهير – ترسم صورة محددة للمطلقة، تكاد تختزلها في كونها امرأة “لعوب”، تسعى وراء الرجال، أو فريسة سهلة لأطماع الآخرين. هذا القالب النمطي لم يكن مجرد معالجة درامية عابرة، بل أصبح جزءًا من المخزون الثقافي الذي ساهم في ترسيخ وصمة اجتماعية تلاحق آلاف السيدات المطلقات في المجتمع المصري.
المطلقة = “امرأة لعوب”؟!
في عشرات الأفلام، لم تُقدَّم المطلقة إلا كفتاة متحررة من القيود، تبحث عن علاقة جديدة بلا ضوابط، أو كسيدة تستدرج الرجال مستخدمة جمالها ودهاءها حتى في الأفلام الكوميدية، تم استغلال صورتها كرمز للإغراء أو كعلاقة “مؤقتة” لا تحظى بالاحترام.
هذا التشويه المتكرر لم يكن بريئًا، بل لعب دورًا مباشرًا في تعزيز النظرة الدونية للمطلقة في المجتمع، باعتبارها “خطرًا” يهدد استقرار الأسر الأخرى.
الواقع مختلف تمامًا
الحقيقة أن المطلقة في مصر – وفي العالم كله – ليست كائنًا غريبًا، بل امرأة مرت بتجربة زواج لم تكلل بالنجاح، وتواجه بعد الانفصال تحديات مضاعفة نظرات المجتمع القاسية، وأعباء تربية الأبناء، وضغوط الحياة الاقتصادية.
كثيرات يواجهن الوحدة والوصمة الاجتماعية، في حين تحاول السينما تجاهل هذا العمق الإنساني وتكتفي بتقديمها كـ”امرأة بلا قيود أخلاقية”.
نماذج نادرة
رغم هذا التكرار المزعج، لم تخلُ السينما من محاولات منصفة، حيث قدمت بعض الأعمال صورة أكثر إنسانية للمطلقة، باعتبارها امرأة قوية تواجه قسوة الظروف وتحاول إعادة بناء حياتها بكرامة، لكن هذه المحاولات تظل استثناءً وسط طوفان من الصور السلبية.
دور الفن في صناعة الوعي
السينما ليست مجرد تسلية، بل هي صناعة وعي وثقافة. وعندما تستسهل الحلول السطحية وتستخدم صورة المطلقة كـ”أداة للإثارة”، فإنها تساهم في ظلم آلاف النساء، وتعيد إنتاج التمييز ضدهن.
المطلقة ليست رمزًا للخطيئة ولا مشروع علاقة مؤقتة، بل إنسانة كاملة لها حقوقها واحترامها، ويجب أن تُقدَّم في الدراما بشكل واقعي وعادل، بعيدًا عن التنميط والتجريح.
إن الوقت قد حان لإعادة النظر في الصورة السينمائية للمطلقة. فالدراما المصرية إذا أرادت أن تكون صادقة ومعبرة عن المجتمع بحق، عليها أن تخرج من القوالب الجاهزة، وتقدم هذه السيدة بما تحمله من قوة وضعف، ألم وأمل، وتجعل منها بطلة حقيقية تعكس واقع آلاف النساء اللاتي يواجهن الحياة بشجاعة بعد الطلاق.