مقالات

لام شمسية ( وجهة نظر) بقلم د/ مها علي دليور

تفشت ظاهرة التحرش بالأطفال بشكل غير مسبوق، ومع وجود مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الكلام عنها مباحا وبلا استحياء من ذكره وسرد ما يحدث بكل جراءة تحت مسمى فضح المجرم ورد الحق لأصحابه والقصاص و…. و… و…
ومع الحادثة المنتشرة في هذه الأيام وقد استغلها البعض في أن تكون ذريعة لفتنة طائفية، وهذا من كلا الجانبين سواء مسلمين أو مسحيين تحدثوا في هذا الأمر واستفاضوا فيه بشكل غير منطقي. ولكن سواء كان المتحرش مسلم أو مسيحي أو هندوسي أو ذكر أو أنثى أو عجوز أو شاب فهو مجرم قذر وغير مقبول في أي مجتمع، وسواء كان الطفل المتحرش به مسلم أو مسيحي أو بوذي أو ذكر أو أنثى فهو ضحية تعرضت لأذى نفسي وبدني سيظل ملتصقا بها طوال العمر، ولكن هذا الطفل ضحية لمن؟ هل هو ضحية للمتحرش فقط، أم ضحية للمجتمع ككل…

في الحقيقة من رأيي أن هذا الطفل ضحية لأب وأم تغافلوا عن توعية طفلهم بشكل شخصي ومنفرد، و لم يغرسوا فيه الوازع الديني سواء الإسلامي أو المسيحي فكلها تنفي هذا الفعل بكل قوة، لم يهتموا بأن يوعووا طفلهم بخطورة بعض الأمور الدخيلة علينا كمجتمع شرقي متدين له تقاليده، فمثلا أن هذا اللفظ عيب، أوالرقص أمام الناس لا يصح، أو أن الملابس الضيقة ليست من عاداتنا، أو غير ذلك من أمور كنا لا نقبلها قديما، وذلك على اعتبار أنهم ما زالوا أطفالا صغار و من الخطأ التشديد عليهم، ولكن على العكس؛ إنها كلمات بسيطة يمليها الآباء على مسامع أبنائهم بطريقة غير مباشرة وناعمة فتترسخ في العقل الباطن، فعندما يذهب إلى المدرسة تطلب منه العاملة أن تدخل معه الحمام لتساعده في تظبيط ملابسه فيرفض تلقائيا، يقوم المدرب بضمه فيدفعه عنه تلقائيا بطريقة طفولية، أما إذا تعرض للعنف والإجبار أو حتى إذا طُلِب منه كشف جزء من جسده -من المنطقي أنه على علم من عمر الأربع سنوات أن هذا عيب و لا يصح أن يرفع أحد غريب ملابسه- يتحدث و يفصح لوالدته ولا يخجل…

أما بالنسبة لمسلسل لام شمسية؛ أحداثه كانت حيادية، حيث أنها عرضت الظروف الاجتماعية للضحية الطفل يوسف حيث والديه منفصلين، تزوجت والدته من شخص ثري وانفصلت عنه تماما وعاشت حياتها بالطول والعرض مطمئنة اطمئنان غير منطقي على ابنها في حضن زوجة والده، والتي عرضت أحداث المسلسل أيضا أنها تعاني من عقد نفسية مركبة وظهر هذا في استقبالها الاندفاعي والانفعالي تجاه الأزمات، وهذه العقد النفسية أدت إلى بعدها عن زوجها فأدى هذا إلى شعوره بالظلم وأنه أيضا ضحية يتحمل مالا يستطيع رجل تحمله، وانفصل عن البيت وعن أولاده ولم يكن قريب منهم يسمعهم أو يصاحبهم، فوجد يوسف الحنان من رجل آخر يعوضه إهمال والده، ومن سوء حظه أنه كان الشخص الخطأ، “وسام” المجرم المتحرش ليس شخص بعينه، “وسام” رمز للشيطان الذي يترقبك بعناية حتى تبتعد عن ابنك فيستقطبه لأي شيء ؛ قد يكون مخدرات، دارك ويب، تحرش وغير ذلك من مظاهر فساد الأبناء، فإن كان “وسام” مجرد رمز للشيطان الذي سيسحب إبنك منك، وسيتكرر في أي صورة أخرى سواء شخص، أو صورة من صور التكنولوجيا التي غزت بيوتنا جميعا بلا استئذان، أو لعبة، أو صديق سوء، أو غير ذلك، فأنت بالنسبة لابنك كيان لن يستبدل ولن يتكرر.

هذه ظروف يوسف الاجتماعية ضحية المسلسل الدرامي التمثيلي الشبه واقعي، فمن حقنا أن نعرف ظروف “يس” لماذا لم يجرؤ للتحدث مع والديه؟ لماذا لم تشعر والدته بما يعانيه طفلها ذو الست سنوات والتي تقوم بتغيير ملابسه بنفسها وتساعده في قضاء حاجته إلا بعد فترة طويلة من الاغتصاب؟ لماذا كانت نتيجة الطب الشرعي الذي رأيناه جميعا أنها آثار إيلاج بلا جروح أو خدوش؟!..

يقولون أن الطفل الضحية “يس” متوحد، بالنسبة لأي شخص غير متخصص هذا غير منطقي، لأن الطفل المتوحد يرفض بشدة اللمس والضم والقبلات، فلو كان يعاني من طيف التوحد فسيلاحظ المحتكين به بعصبيته وتوتره وعدم استقراره، ولن يستطع أحد كتم صراخه، ولو كان يرتاد مراكز تنمية المهارات ستشعر الأخصائية ضعف تقبله للمعلومات وسيخبرون الأهل…

الخلاصة؛
المشكلة ليست في متحرش مجرم وطفل ضحية، المشكلة في جيل من الأطفال يعانون من تشتت الأهل وعدم القدرة على تتبع سلوك أبنائهم نتيجة لطبيعة حياة دخيلة تقسم نفسيتهم ما بين القديم والتطور، ابحثوا عن الجزء الفاسد واقتلعوه، استأصلوا الخلايا السرطانية من المجتمع، وارفعوا مناعة أفراده، وإياكم والمسكنات فإنها ستجعل المرض ينتشر فجأة وبدون أن ننتبه لها، وبالطبع لا بديل عن محاسبة المجرم، ولكن هل سيطيب هذا نفسية الطفل المجروحة؟ أم سنقدم للمجتمع طفل مضطرب نفسيا و يرهب الاختلاط والاندماج.

وأخيرا؛
إذا كنت شخص سوي سيعتصر قلبك كمدا إن كان الطفل الضحية هو عمرو أو بيشوي، و ستمقت تتقزز بشدة من المجرم لو كان ألبير أو إسلام، فهذه جريمة لا تغتفر في أي وقت أو عصر او عرق أو فصيل أو ديانة.

د/ مها علي دليور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى