طه حسين قاهر الظلام.. بقلم إيهاب همام

طه حسين
هو عميد الأدب العربي، الأستاذ الجامعي، الكاتب الصحفي، الناقد الأدبي، الإنسان الذي أطفأ الله بصره وأنار بصيرته، ليشتعل قلبه وعقله بالحياة، ويمضي بمسيرته العلمية والأدبية، ليحصد الدرجات العلمية المختلفة، وصولا للدكتوراة، يبدأ تعليمه بالكتاب ثم بالأزهر الشريف، يحفظ القرآن الكريم ويتعلم العلوم الشرعية،
يدرس بالجامعة الأهلية (جامعة القاهرة)، فدرس العلوم العصرية والحضارة الإسلامية والتاريخ والجغرافيا واللغات المختلفة كالحبشية والعبرية والسريانية، ثم سافر إلى مونبلييه المدينة الصغيرة بجنوب فرنسا ليستكمل دراسة العلوم العصرية، ويبقى بها قرابة العام، ينفتح فيها روحه على مصرعيها لهذا العالم الجديد، فيشتعل الصراع وتحدث ضغوط لإلغاء منحته، يعود بعدها للقاهرة عدة أشهر، بعدها يبعث للعاصمة باريس هذه المرة ليستأنف الدراسة.
شخصيا لا أحب المنتج الأدبي الأكاديميين والدارسين، لانشغالهم بالصنعة والحرفة على حساب الفن والإحساس، فجاء هو ليثبت العكس، درس الرواية فكتبها ليطورها، اعتمد الأسلوب السلس وحارب ليعممه ليقارنه البعض بأسلوب العقاد، معتبرين بساطة أسلوب طه حسين وإصراره على إعتماد البساطة وسلامة اللغة كمنهج، سببها أن حصوله على أعلى درجات علمية جعله لا يحتاج التباهي بإظهار مهاراته باللغة العربية.
إذا اقتربت منه ستنشغل بالإنسان الذي عاش ملحمة، تقطر ألما وسوء حظ، وحبا هو نعم القدر، سجلها في كتابه وأعظم أعماله الأيام الذي يدون من خلالها سيرته الذاتية، والذي تم تحويله لمسلسل مصري قام ببطولته الفنان أحمد زكي في العام 1979، يصحبك في رحلة يجبرك فيها أن تغمض عينيك، وتختبر العالم وقد ابتليت في حبيبتك،
مضاف إليها كل مشكلات الحياة الأخرى، لينتهي كل هذا بزواجه من سيدة فرنسية شديدة الجمال، مسيحية مثقفة، وجدت بقلبها دافع للزواج من أعمى مسلم مصري، لتصبح عينيه، حبيبة وزوجة ورفيقة، قال عنها ( منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم).
يبدو أن اللطف والعناية التي وجدها من زوجته، ومن بلادها الفرنسية، جعله يتمرد على الظروف القاسية التي عاش بها وتسببت في ذهاب بصره، وخلفت الألم في قلبه، فتأثر بالأفكار الأوروبية، يريد للجميع أن ينفتح عليها، ينحاز لديكارت في نظرية الشك، ويشكك في أمور تتعلق بالدين الحنيف، فاتهم في حياته بالإلحاد، وقد صادفت العديد من الكتابات بعد وفاته تدعي تحوله للمسيحية سرا، وفقا لتقديري أفكاره التي أثارت الجدل، لم تكن إلا ثمرة لإعجابه الشديد بالغرب ليس أكثر.
بالنهاية رحل وأمره يرجع إلى الله، بعد أن ترك لنا ميراث أدبي هائل، وشغل العديد من المناصب أهمها توليه منصب وزير المعارف، وإقراره لمجانية التعليم، وقوله الذي لا ينسى (التعليم كالماء والهواء).
أهم شخصية برواياته: “أمنه” برواية دعاء الكروان التي كتبها ليوضح معاناة المرأة ومأساتها، وقد تحولت الرواية المميزة جدا بصراعاتها وبساطتها وفلسفتها إلى فيلم جسدت شخصية أمنه فيه سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وتفاعل الجمهور مع الفيلم بشكل كبير وأصبح الفيلم سبب أن رجل الشارع يعرف طه حسين.
من هو طه حسين؟ نشأته وحياته الخاصة
ولد في نوفمبر 1889 تحت اسم “طه حسين علي بن سلامة”، مدينة مغاغة بإحدى مدن محافظة المنيا، هو الابن السابع لوالده، الذي لديه ثلاثة عشر ابن، من بينهم أخوة غير أشقاء، عاش بقريته طفولة مفزعة رصدها بالتفصيل في كتابه “الأيام”، القرى هادئة تفتح لك أفاق عقلك ليمتد فكرك كما الحقول الممتدة، ولكنها بظلمتها وهدوئها وأصواتها الرتيبة، كهدير الماء واصوات الطيور والحيوانات، مع الطفولة المضلة وخيالها الواسع، تفتح أمامك أبواب الرعب التي لا تغلق إلا بأن تنتهي الظلمة ويأتي النهار، في حالته الظلمة تكاد لا تنتهي.
عاش مواقف سخيفة، لا ينكر حب أمه وأبوه وحذر أخوته في المعاملة، شيء محزن أن تشعر بالنقص وأن تلك المشاعر الإيجابية مصحوبة بالإهمال والشفة والإزدراء، منع على نفسه أطعمة كثيرة حتى لا يقع في حرج، وقال أنه فهم لماذا كان يأكل المعري بكهف تحت الأرض، وللأسف يوضح طه حسين بكتابه الأيام توقفه تقريبا عن الطعام إلا القليل جدا تجنبا للإحراج،
يتمنى لو له أن يأكل وحده، وهذا لم يكن مباح مع العائلة، عندما سافر إلى فرنسا وتولى زمام نفسه، وسأله العامل هل سيأكل بالمطعم أم بحجرته بالفندق، اختار حجرته وعاد للطعام مرة أخرى، ولا نحتاج لتحليلات نفسية عميقة لنعرف لماذا حضر طه حسين الدكتوراة في أبو العلاء المعري، فهو مثله كفيف موهوب حساس تمرد بسبب مأساته، المعرفة مؤلمة والإحساس المرهف يعني مزيد من الألم.
لم يتوقف طه حسين طوال سيرته الذاتية بالأيام، عن المقارنة بين نفسه وبين أبو العلاء المعري.
قصص طويلة، ومواقف محرجة تعرض لها بسبب فقدان بصره، حفظ القرآن الكريم وهو بسن التاسعة، فأصبح يلقب بالشيخ، حفظه بتلك السرعة والسهولة لأن ظروفه حرمته من اللعب والجري، واعتمد على عقله وسمعه، فيسمع ويحفظ القصص والأوراد والأدعية وكتاب الله، انتظر الجبة والقفطان كحق له طالما أصبح شيخ، وشعر بظلم شديد وغضب من والديه، لأنهم أخبروه أنه لازال صغير جدا على الجبة والقفطان.
تمكن في مرحلة لاحقة من دخول الأزهر، إلا أنه تمرد على شيوخه، فهو تواق للتغيير وهم لا يخرجون عن الخطوط المحددة، وبمجرد فتح ا
لجامعة الأهلية، ينتقل إليها فورا، ويتخرج ويعد الدكتوراة، ولا تمنح له بسبب ما حوته الرسالة المتمردة عن المتمرد أبو العلاء المعري.