مقالات

تخطيطنا بين التعب والنعيم: تأملات في مسار الحياة

بقلم: محمد خليفة

إذا كنا نحن – أهل الشقاء – نجيد التخطيط، ونسعى ونجتهد، ونحسب خطواتنا بدقة كي نصل إلى نهاية طريق لا عجز فيه، فمن الأولى أن ندرك أن هناك تخطيطًا ربانيًا لا يخطئ.

تخطيط لا يقتصر على توزيع الأرزاق، بل يمتد بدقة إلى الثواب والعقاب، إلى لحظات الصبر التي ترفع، وإلى النعم التي يُسأل أصحابها عنها.

فلعل من أثقلهم التعب يُخفف عنهم الحساب، ويُسأل من عاش في نعيم: ماذا فعلت به؟ أأديتَ شكر النعمة، أم ظننت أن النعيم حق مكتسب؟ فلكل منا موضعه؛ موضع كُتب له لا بهواه، بل بعدل رباني مطلق.

ومن هنا تبدأ المقارنة – لا من باب الحسد أو السخرية – بل كنافذة للتأمل بين حالَين: “أهل الشقاء” و”أهل الرفاهية”.

أهل الشقاء… أولئك الذين يستيقظون في الخامسة صباحًا، لا لركوب يخت، بل للركض وراء الأتوبيس. وجوههم لا تعرف الفلاتر، وأقدامهم لا تمشي على الرمال الناعمة، بل فوق الأرصفة الساخنة. أحاديثهم تدور حول فواتير الكهرباء، لا أسعار الفلل.

أما أهل الرفاهية… فتشرق شمس يومهم من فوق البحر، لا من خلف جدران المصنع. هؤلاء وُلدوا في مكانٍ آخر، حيث تقدم الحياة على طاولات رخامية، وتمضي الأيام بين موسيقى هادئة وسماء لا تعرف التلوث.

وربما لا يرى “أهل الرفاهية” في البحر ما نراه نحن، وربما لا يذوقون من الراحة ما نتصوره؛ فكأنما الحياة تعطي البعض ما يبهج العين، وتُخفي عنهم ما يبهج القلب. وكأن الشقاء الحقيقي ليس في العرق، بل في فقدان المعنى، وكأن الراحة الحقيقية ليست في التكييف، بل في القناعة.

وفي النهاية … لن نُحاسب على عدد المرات التي زرنا فيها المصايف، ولا على عدد طوابير الكهرباء التي وقفنا فيها، بل على كيف شكرنا حين أُعطينا، وكيف صبرنا حين ابتُلينا … فلنطمئن… فالعين ترى الظاهر، أما الحساب… فعند رب كريم من لا يغفل ولا ينسى.

محمد خليفة
مستشار تخطيط وإدارة مخاطر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى