23 يوليو ليست ذكرى.. إنها تذكرة

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
ليست كل الثورات تُقاس بعدد الطلقات، ولا كل التغيرات تُقاس بعدد الكلمات.
ففي ليل القاهرة الصامت، وبينما كانت مصر تتأرجح بين حلم الاستقلال وكابوس الفقر والتبعية، وُلدت ثورة… لكنها لم تُولد من فراغ.
في ٢٣ يوليو ١٩٥٢، لم يخرج الشعب إلى الشوارع مدفوعًا بشعار، بل نهضت نخبة من الضباط الشبان، قرروا أن يعيدوا لمصر صوتها، وهيبتها، ومكانتها.
لم يكن الأمر مجرد انقلاب عسكري، بل كان بداية مشروع وطني لتغيير وجه الوطن… من مملكة تتداعى، إلى جمهورية تبحث عن نفسها.
ثورة خرجت من قلب الجندية
ما يُميز ثورة ٢٣ يوليو أنها جاءت من قلب المؤسسة العسكرية، لكنها لم تكن لصالحها فقط.
هؤلاء الضباط، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، لم يبحثوا عن سلطة، بل عن وطن يُحترم.
كانت رؤيتهم أن تُمحى الإقطاعية، وتُعاد الأرض للفلاح، وتُبنى مصانع، وتُؤمم قناة، ويُعلَن أن مصر لم تعد “مستعمرة سابقًا” بل دولة صاحبة قرار.
حين بدأت مصر تكتب تاريخها بيدها
كان حلم الثورة هو “العدالة الاجتماعية” و”الكرامة الوطنية”.
ولهذا، أعادت ٢٣ يوليو تشكيل ملامح الطبقة الوسطى، منحت التعليم بالمجان، أطلقت مشروعات كبرى، ورفعت رؤوسًا طالما انحنت أمام الباشاوات.
ولكن كأي مشروع ضخم، لم تخلُ المسيرة من الأخطاء.
فقد أخطأت الثورة حين صادرت بعض الحريات، وضيّقت على الصحافة، وأدارت السياسة بمنطق الصوت الواحد… لكنها لم تخطئ في نواياها.
كانت نقيّة الهدف، حتى وإن تعثّرت في بعض الطريق.
ثورة صنعت وعيًا جديدًا
لا يمكن لأحد أن يُنكر أن ما بعد ٢٣ يوليو لم يكن كـ ما قبلها.
حتى من يعارضها، لا يستطيع أن يمحو أثرها.
هي الثورة التي جعلت الفلاح يرفع رأسه، والموظف يحلم بمستقبل، والعامل يدرك أنه جزء من عجلة الوطن.
هي التي أطلقت نغمة “الله أكبر” في معركة بناء السد العالي، وفي الدفاع عن قناة السويس، وفي لحظات الوحدة مع سوريا.
في عيد الثورة… لا نحتفل بالماضي فقط
حين نقف اليوم في ذكرى ٢٣ يوليو، لا نُصفّق فقط لصورة عبد الناصر، ولا نقرأ بيان الثورة كأنه ترنيمة، بل نسأل أنفسنا:
هل لا زلنا نحمل في داخلنا بذور الحلم ذاته؟
هل ما زلنا نؤمن أن مصر تستحق أكثر؟
وهل آن الأوان أن نُنجز ثورة جديدة… لا في الحكم، بل في الوعي
٢٣ يوليو ليست ذكرى.. إنها تذكرة.
تُذكّرنا أن مصر إذا أرادت، فعلت.
وأن الشعوب العظيمة، لا تموت… بل تُبعث من جديد.