مقالات

نظرية الأرنب والسلحفاة.. بقلم د/ مها علي دليور

لم ينضج أحد منا إلا و قد مرت عليه في طفولته قصة الأرنب و السلحفاة، و استمتعنا بها و فهمنا الحكمة المستفادة منها؛ ألا وهي الاستمرارية هي مفتاح النجاح.
و ها نحن الآن نرويها لأطفالنا و نغرس فيهم الحكمة ذاتها، و كأن التاريخ يعيد نفسه على ألسنتنا.
و لأن الفضول الإنساني لا يتوقف عند حدود الحكايات؛ فنرى البعض طبقها واقعيا بإحضار أرنب و سلحفاة حقيقيين وأجرى عليهم تجربة ما روي في القصة و كانت النتيجة ما حدث في القصة تماما.
كل هذا حفزنا في التفكير بعمق في عدة أمور؛ وهي؛
* لماذا تسبق السلحفاة الأرنب رغم بطئها؟
* على الرغم أن الأرنب في البداية هو الفائز؛ لماذا توقف في المنتصف و لم يكمل السباق؟
*ما سبب استمرارية السلحفاة رغم بطئها الملحوظ؟
* لماذا يتميز بعض الأشخاص بالعمل الدؤوب و التطور المستمر في الإنجازات عن غيرهم؟
فلنرى؟……
روت لنا القصة أن الأرنب اطمأن لفوزه في السباق و تأكد أن السلحفاة لن تصل له، فنام حتى انتهى موعد السباق، و هذا يعني أن ثقة الأرنب الزائدة في نفسه و غروره، مع استمرارية السلحفاة هو ما أدى إلى حدوث هذه النتيجة الغير متوقعة.
أما عند تطبيق القصة على أرض الواقع؛ نرى الأرنب -بعد أن قطع شوطا كبيرا في السباق- توقف و أبهرته تلك التصفيقات و التهليلات من المحيطين وتشتت انتباهه عن هدفه المنشود، و في المقابل؛ لم تلتفت السلحفاة لأي مشتتات حولها و مضت خطوة تلو الأخرى حتى وصلت.
و بالنسبة للأرنب والسلحفاة قد يرجع هذا إلى تكوينهم الفسيولوجي والتشريحي.
أما لو طبقنا نفس القصة على البشر، سنجد أن هناك بالفعل أشخاص بطبيعة الأرنب و أشخاص أخرى بطبيعة السلحفاة….
فلنتناول معا شخصية السلحفاة و شخصية الأرنب ونرى الفرق بينهما…
الشخصية السلحفاة؛
نجد أن بعض الأشخاص مستمرين في تحقيق أهدافهم، و ينتقلون من نجاح لنجاح و من إنجاز لإنجاز بلا توقف، و من رأيي أن هذا يرجع إلى أنهم سدوا آذانهم و أغمضوا عيونهم عن كل من المحبطين و المشجعين معا ( كما فعلت السلحفاة)؛ فلو تأثر بالمحبطين سيتوقف؛ لأنه محبط و تم تثبيط همته، و لو التفت للمشجعين وفرح بهم، سيتوقف أيضا؛ لأنه حصل على الاكتفاء الذاتي بمدح الناس له.
بل إنه وضع هدفه نصب عينه ومضى…..
هو فقط مضى ثم وصل..
الشخصية الأرنب؛
نلاحظ النجاح العظيم لبعض الشخصيات، و نتوقع لهم بلوغ القمم سريعا، ثم بعد ذلك نلاحظ اختفاءهم فجأة، فلماذا…؟
من رأيي؛ أن هذه الشخصيات تتأثر جدا برأي الناس فيها؛ فإن لم تجد المدح تحبط، و إن تعرضت للإنتقاد تتوقف و تهاب الاستمرار ، و إن حصلت على التشجيع و الإطراء تشعر ببعض الاكتفاء الذاتي و تغره نفسه فيستريح في منتصف الطريق، و عندما يطول به أمد تحقيق الحلم يكون قد أصابه الملل و الفتور من هذا الطريق فيتراجع أو يبدأ مسار جديد و هكذا دائما….
قد تكون هذه طبيعة بشرية و لا دخل للإنسان بها، ولكن من الأفضل المحاولة لتطوير الذات والتغلب على ( ذهنية الأرنب)؛ حيث….
*الوصول إلى نتائج مرضية عن سعينا في الحياة. *و تعزيز أنفسنا في نظرنا.
* و تحقيق الحلم الذي راود عقلنا كثيرا و ألح علينا لتحقيقه.
* عدم الاستسلام لعيوبنا الشخصية و محاولة معالجتها بطريقة تناسب شخصيتنا بالإضافة إلى عدم جلد الذات و الإثقال عليها.
و لكن كيف…. ؟
بداية حل أي مشكلة تكون في الاعتراف بها، ثم السعي لحلها، و ذلك بتقسيمها لأجزاء صغيرة، ثم معالجة كل جزء على حدة.
وبعد أن اعترافنا بمعاناتنا من شخصية الأرنب، فلنسعى لحلها؛
بسد آذاننا و إغماض أعيننا عن كل انتقاد أو تشجيع قد يؤثر على إكمال مسيرتنا..
و هذه ميزة ينفرد بها العقل البشري؛ ألا و هي التمييز بين المفيد و الضار، و النقد البناء و الهدام، والتشجيع الذي يحفزنا و المدح و الإطراء الذي يغرينا للتوقف.
فما علينا إلا إعمال عقولنا فيما يعرض علينا، والتفكير بعمق قبل البدء في أي خطوة، ثم الاستمرار على هذا المنوال.
و من الضروري أن نتأكد أنه ليس من المهم البطء في خطواتك طالما أنك لا تتوقف.
و أخيرا…
النجاح ليس سباق سرعة، بل سباق استمرارية، قد تكون البداية لصالح الأرنب، و لكن النهاية دائما من نصيب السلحفاة.
د/ مها علي دليور

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى