الخوف.. لعنة الهروب ولذة التحدي..!!

بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
شعور من أقدم المشاعر لدي الإنسان، متأصل فينا منذ اللحظة الأولي التي نفتح فيها أعيننا على الحياة، نخاف الظلام.. نخاف الابتعاد عن أحضان الآباء والأمهات..ثم نخاف الغرباء..
يتطور الأمر شيئاً فشيئاً مع مرور السنوات ويصبح الخوف أكثر تعقيداً عن ذي قبل، نخاف الفشل.. عدم النجاح.. ضياع الاحلام.. انعدام الرضا عن واقعنا كله أو بعضه.. نخاف الخسارة بكل أشكالها وألوانها وأنواعها، نخشي الحزن و الخذلان..
لأبعد من ذلك وأكثر يتغير طبع الخوف داخلنا حين يصبح منهجاً و طريقاً للتفكير.. قيوداً حديدية غير مرئية تحكم اختياراتنا وقدرتنا علي الحياة كما نحب ونتمني وكأننا هاربين من أشباح مجهولة وأحداث غامضة.. لا الأولي موجودة و لا الثانية لها ظهور علي الأرض..!!
هذا الخوف غالباً يأتي بعد مرورنا بأحداث ضخمة ومفصلية تمثل نقلات صعبة وحزينة من العمر..
الخوف عدو التغيير اللدود.. الخوف سجن.. تَمَسُك بالمألوف رغم ألمه.. وأد للأمنيات في مهدها دون أن نمنحها فرصة لتنمو وتعيش.. الخوف في طبيعته رد فعل بأكثر منه أسلوب حياة..
يقتل المغامرة.. يمنع التجربة.. قد يضعنا في منطقة آمنة لكنها بكل أسف خاوية من المعاني الحقيقية التي نريدها ونرغبها..
الخوف غريزة للبقاء، يظن المرء به أنه يحفظ نفسه ويصونها من الهلكة والهلاك.. حرص بلا مبرر.. نكوص وتراجع بلا سبب أو منطق، أغلب مخاوفنا وهم، هروب ملعون من مجهول قد تكون فيه السعادة..
الخوف تأجيل لحسم القرارات والمصائر لعدم الثقة في التبعات ونقص القدرة علي التعامل مع النتائج وتحمل تبعاتها..
الخوف ظِل رَسَمه الخيال داخل حدود العقل فقط بحيث لا تجسيد حقيقي موازي له كما رأيناه..
بعض الخوف يأتي من المجتمع من حولنا خشية الخروج عن الأنماط السائدة و كلام الناس، الخوف هنا هو اختباء من التحدي ورضوخ و إذعان لظروف و إملاءات خارج الإرادة..
التحرر من الخوف ممكن جداً.. لكن كيف..؟!
لابد هنا أن نعرف أن زوال الخوف و انتهاؤه تماماً أمراً مستحيلاً، لكن مواجهته هي الأسلوب الأنجح و الطريق الأمثل للتحرر منه..
مخاوفنا لن تغادرنا بالهرب منها.. ذلك هو الاستسلام المميت القاتل.. و إنما خطوات تجاه ما نخاف حيث نتحداه ونتصدي له سوف تكشف لنا بوضوح أنه ليس بالحجم المتصور، وأننا أقوياء بأكثر مما كنا نظن ونتخيل..
ليس المطلوب إذن أن نحيا دون خوف، لكن علينا أن نمضي في المسير والمواجهة رغم وجود الخوف وبقاؤه..
كسر الخوف بتحديه هو ما يُفرق و يفصل بين النجاح والفشل.. الجرأة والمهارة في تجاوزه و عبوره هو ما يُميز الشخص النادر المُغامر من ذلك الآخر العادي الكامن، الأول يوقن تمام اليقين أن الاستسلام للخوف موت.. الخائف يموت كل لحظة ويخسر فرحة كانت له لكنه لم يستطع بخوفه أن يمد يده ليأخذها فيملكها..
تعطي الحياة أبلغ لذتها لأولئك الذين يمتلكون المقدرة علي اقتحام المخاوف..
الخوف مُرعب قطعاً إذا أدرنا له ظهورنا و أبتعدنا، يتلاشي ويضمحل بمجرد مواجهته من الأمام..
عن نفسي..
الخوف عندي مختلف، لا أخشي ظلمة الليل فهي ملاذ الأرواح.. لا أخشي الموت فهو حقٌ لابد آت.. لا أخشي الوحدة والعزلة فهما عندي من الأصدقاء الأعز.. لا أخشي حتي مرور الأيام وتقدم العمر وفقدان الصحة وتبدل الأحوال..
لا أخشي الوداعات رغم الآمها، فالاعتياد عليها ترياق ناجح لها..
مما أخاف إذن..؟!
أخاف مني و من الطريقة التي يعمل بها خيالي و تفكيري، مرهقة لي أحياناً و لأغلب الذين بي قد أحاطوا، أخاف صراع الحركة والسكون داخلي، الاثنان معاً في ذات اللحظة، ماذا تبقي ..لا أدري لحين الحسم و اتخاذ القرار..
أخاف غرابة الأشياء من حولي.. بعضها متجمد لا حراك فيه والبعض الآخر كبناء من رمال أتاه الموج عالياً لا يصمد، في كل لحظة يصيبه التصدع وينهار، تختفي أشياء وتظهر أخري..
أخاف الوهم وصدي صوت الضمير إن صدر من عمق غير عمقي ليخبرني أنني أخطأت ويذكرني بغيبوبتي لحظة خطئي..
أبداً .. لا أحب أن ينتصر خوفي أو أن يقهرني، لست جباناً بلا أسلحة، دق الخوف عظام كل من رفضوا حربه..
أحارب حتي الرمق الأخير..
أحارب حتي شهيق بلا زفير..
المشكلة هنا أنه مع الخوف لا يجب أن نطالب بحرب عادلة، العدل هنا أن تبصر وتستعد وتقرر وتصيب الهدف بدقة فتقهره، لا يهم فشل الآخرين في هزيمة خوفهم، لا يعني ذلك تكرار الأمر فأفشل أنا.. مُحال..!!
الحرب العادلة مع الخوف دائماً بيد المنتصر، لا فرار من خوضها ولا مبرر للتنحي..
أبدأ بنفسي..
#قلب_بلا_دموع