الأحلام.. سراب الانتظار ونعيم الفعل..!!

بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
الإنسان كائن حالم ميزه الله سبحانه وتعالي بالأحلام عن غيره من المخلوقات منذ إدراكه الدنيا من حوله عندما يفتح عيناه علي مقدراتها، يحلم بلا نهاية.. بالنجاح الدراسي.. بالعمل.. بالحب.. بالزواج والأسرة..بالمال والمنصب والسلطة، و يظل يحلم لنفسه وأسرته وأولاده وأحفاده بلا كلل ولا توقف..
العزيمة الراسخة التي لا تنكسر والإرادة الصلبة والعمل بمنتهي الكفاح من غير ملل كل ذلك هو الطريق الأوحد لتحقيق الأحلام، لكن للأسف هناك من يقضي حياته كلها راكضاً خلف السراب وكأن العالم يَدين له بشيء، وكأن الأقدار ستصنع له درباً خاصاً فيه يسير.. أو يري نفسه مختلفاً عن الآخرين، هذا الشخص يعيش في رأسه بأكثر مما يعيش في الواقع، يبني سيناريوهات المستقبل عن كافة مراداته في الحب والمجد والشهرة والوصول والتحقق لكنه بكل أسف لا يدرك أن الأحلام التي لا تدعمها الأفعال هي مجرد سجن.. بل سجون خادعة لا جنة رائعة، سجون قاتلة.. تمر الأيام.. تتغير الوجوه.. يمضي قطار العُمر بينما هو لايزال عالقاً في مكانه منتظراً معجزة لم ولن تأتي..!!
مشكلة هذا الإنسان الفعلية ليست الحلم ، الأزمة في أنه يريد الحلم غاية لا وسيلة، يمتلك الرؤية و الأفكار بإعتقاد أن بها سيصل و ينجح بينما الجميع حوله يعملون بدقة متناهية و بمنتهي العزم من أجل بلوغ الغاية والهدف..
كل الرؤي لا قيمة لها إطلاقاً من غير جهد وعمل، الحياة لا تُقدر النوايا ولكن تبحث عن شوامخ النتائج لتنحني لها احتراماً..
الحالم فقط مخلوق يصارع واقعه.. يرفضه بعد ذلك لأنه يكتشف عندما يفوت الأوان أنه لا يطابق صوره الذهنية التي ظل يرسمها في مخيلته..!!
يري الحب مثلاً رومانسية مملوءة بحلو الكلام ولا يعي أن الحب في أسمى معانيه التزام و تضحية وصبر و سعي جاد للاقتران بمن يحب..
يري النجاح استحقاق بلا مجهود، شيئاً فشيئاً يري الناس عتاة.. قساة القلوب غلاظ الشعور لأنهم لم يفهموه ولا يري أنه هو من أبعد نفسه عن موطن الاستحسان بعمله و عن جدارة..!!
الحالم دون فعل هارب من الكون تماماً، الحلم عنده ملاذاً آمناً حيث كل شيء بسيط وممكن.. لا مثابرة.. لا رفض.. لا إحباط.. الحلم يوفر نجاحاً بلا أدني تعب أو ثمن و تضحية، تميز منقوص الاصرار و الدأب..!!
كل ذلك مشاعر مزيفة سرعان ما تتحول لعبئاً ثقيلاً أيما ثُقل، مأزق يصبح الخروج منه عسير صعب، وهم يمنح أياماً تخلو من التحدي.. عجز عن المضي أي خطوات للأمام، انحدار مستمر للهاوية و الأسفل.. لوم للظروف كل مرة، كل الظروف ملائمة سوي نفسه..!!
و يأتي يوم الافاقة فيعرف البائس كم تأخر عن الركب، يعرف أنه وحده ينتظر أن تجود السماء عليه بأحلامه حيث هو ساكناً قابعاً علي الأرض..!!
يكتشف كم كانت الأحلام أشباحاً، لم تخذله أحلامه بقدر ما خذل هو نفسه و بعمق، هذه المعرفة و ذلك الإدراك غالباً ما يأتيان متأخران بعد بزوغ فجر واقع هو له لم يستعد فتتحول كل الأحلام إلي ذكريات باهتة بلا ضوء أو إنجاز..!!
ينجو من هذه النهاية من فهم الأمر و استطاع اللحاق بركب العارفين بإن الحلم وقود لا قيد.. خطوة تتطلب عمل وجهد..
الأحلام مطلوبة.. نحن البشر بدونها موتي، لكن المعادلة الصحيحة اقتضت كون الأحلام وحدها موتاً آخر يقيناً لا يخالطه ظن، لكن هذا الموت يتم بشكل أكثر غباوة و قسوة..!!
الكون منذ خلقه الحق عز وجل لا يكافيء الواقف مكانه ينتظر..
إما الأحلام سلاحاً يمتلك قوة دفع للأمام و إما سجناً نقضي فيه ما بقي من عُمر، بحراً عالي الموج يبتلع بلا رحمة.. بلا أي فرص للنجاة بالفعل..!!
#قلب_بلا_دموع