شهر رجب… موسم اليقظة القلبية قبل مواسم الطاعة

الكاتبة الصحفية شيرين عصام
يحلّ شهر رجب كل عام ليذكّرنا أن للزمن عند الله قيمة، وأن بعض الأوقات ليست كغيرها، فقد اختصّ الله أربعة أشهر بالحرمة والتعظيم، وجعل رجب واحدًا منها، فقال تعالى:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾
(التوبة: 36)
ورجب هو الشهر الوحيد المنفرد من بين الأشهر الحرم، وكأنه محطة تنبيه مبكرة:
تهيّأ، فمواسم الطاعة قادمة.
فضل رجب… بين النص الشرعي ومنهج السلف
لم يثبت عن النبي ﷺ حديث صحيح يخصّ رجب بعبادة معينة، وقد كان السلف شديدي التحذير من نسبة ما لم يثبت إلى رسول الله ﷺ.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
«لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح.»
لكن السلف مع ذلك كانوا يعظّمون رجب، لا بالبدع، بل بفهمٍ عميق لمعنى الزمان.
قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله:
«إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا.»
وقال الحسن البصري رحمه الله:
«إن الله جعل السنة اثني عشر شهرًا، فاختص منها أربعة فحرّمها، وعظّم حرمتها، وجعل الذنب فيها أعظم، والعمل الصالح أعظم أجرًا.»
رجب… شهر كفّ الذنوب لا استعراض الطاعات
فهم السلف رجب على أنه شهر ترك قبل أن يكون شهر فعل:
ترك المعاصي
ترك الغفلة
ترك التهاون في الحقوق
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
«الأشهر الحرم بمنزلة السور الذي يحمي القلب، فمن انتهك حرمتها كأنما هدم السور بيده.»
ولهذا لم يكن اهتمامهم بكثرة النوافل بقدر اهتمامهم بسلامة القلوب.
الأدعية التي كان يكثر منها السلف (دون تخصيص مبتدع)
لم يرد دعاء مخصوص لرجب، لكن السلف كانوا يكثرون من الأدعية الجامعة، ومن أشهر ما تناقلوه:
«اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلّغنا رمضان»
(وهو دعاء حسن المعنى، وإن لم يثبت مرفوعًا)
كما كانوا يلازمون:
الاستغفار
«أستغفر الله وأتوب إليه»
دعاء تثبيت القلب
«اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»
دعاء رفع البلاء والهم
«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…»
رسالة رجب الحقيقية
رجب ليس موسم ضجيج ديني، ولا شهر شعارات، بل هو شهر المحاسبة الصامتة.
شهر يسأل فيه العبد نفسه:
هل أصلحتُ ما بيني وبين الله؟
هل خففتُ من أوزاري قبل أن أثقلها مواسم الطاعة؟
قال سفيان الثوري رحمه الله:
«إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد.»
وهكذا كان السلف:
دينٌ بلا رياء، وعبادة بلا بدعة، وخوف صادق من الله لا استعراض أمام الناس.
خاتمة
رجب رسالة رحمة قبل أن يكون شهر عبادة:
ما زال الباب مفتوحًا… وما زال في القلب متسع.
فمن أحسن الاستعداد في رجب،
أدرك بركة شعبان،
ودخل رمضان بقلبٍ حيّ لا مُرهق.




