مقالات

شعر النقائض.. بقلم مريم سلسبيل

عرف الشعر العربي القديم عبر مسيرته تحولات عدة على مستوى البنية الموضوعية والفنية، فمن العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي وصولا إلى العصر الأموي الذي عرف تطورات مست الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، حيث أدى هذا التحول إلى استعار نيران العصبية القبلية في كل من البصرة وخراسان، والذي هيأ لاشتعال الهجاء طوال هذا العصر، وكذلك لظهور فن شعري جديد عرف في تاريخ الشعر العربي القديم بفن النقائض فما المقصود بشعر النقائض؟ ومن هم أبرز شعرائه؟ وكيف نشأ

هذا النوع من الشعر؟

يقال بأن النقائض هي جمع نقيضة، حيث جاء في لسان العرب لابن منظور أن النقض هو إفساد ما أبرم من عقد أو بناء، أما النقيضة في الشعر العربي، فهي قصيدة يرد بها شاعر على قصيدة شاعر أخر، فينقض معانيها، ويشترط أن تكون من بحر قصيدة الخصم ورويها. ولقد ظهرت البوادر الأولى للنقائض منذ العصر الجاهلي، فكما تبارى الشعراء بالسهام تبارى الشعراء بالشعر، فكانوا يتهاجون وينقضون بعضهم البعض، فينتصر الشاعر لقومه، ويرد عليه شاعر القبيلة لاخرى.وإن كانت في نشأتها الأولى، لم تأخذ صورة النقائض، حيث كانت عبارة عن منافسات كلامية ليس إلا، أما في العصر الإسلامي فكانت، امتدادا لنقائض الجاهلية من حيث أصولها الفنية، فازدهرة في عصر النبوة المساجلات والمنافسات الكلامية التي كانت بين الصحابة، وكفارقريش، وبمجيء العصر الأموي تطورت النقائض حتى أصبحت فن ا قائما بحد ذاته، واتخذت شكل مناظرات، وكان سوق مربد بالبصرة مسرح لها.فيجتمع فيه الشعراءوالناس، ويتحلقون حولهم، ليروا من تكون له الغلبة، فتكاملت أسسها على يد الشاعر جرير والفرزدق والأخطل. ولقد كانت هناك العديد من العوامل التي ساهمت في نمو هذا النوع من الشعر، منها العوامل السياسية والتي ترجع إلى تشجيع حكام بني أمية لصرف الناس عن التفكير في السياسة والحكم بتسليتهم بالنقائض، وتشجيع هذا النوع من الشعر الذي أدى إلى اشتعار نيران العصبية، القبلية بين القبائل، وهذا ما أشغلهم عن الحكم. أما من ناحية العوامل الاجتماعية فترجع إلى حاجة المجتمع العربي خاصة في البصرة إلى نوع من التسلية التي يقطع بها الناس عن أوقاتهم الصعبة، وسرعنما تحولت النقائض إلى فن مميز، وذلك راجع إلى تشجيع جماهير العرب، ومن ما تناولته شعر النقائض، أو تناول شعر النقائض العديد من المواضيع، بدءا من بكاء الأطلال، ووصف الصحاري والفخر والهجاء والحماسة، إلى غير ذلك.ولكن يعد الهجاء والفخر هما أبرز الغرضين، فالفخر هو فن من فنون الشعر، لا يكاد تخلو نقيضة منه، ذلك أن الشعر يفتخر بخصاله، وخصال قبيلته.والهجاء ، فالشاعر يقوم بهجاء القبائل المعادية و قذفهم بكل أنواع الشتائم.ولقد كان الهجاء في ذلك العصر يقوم على ثلاثة امور، وهي تجريد المهجو وقبيلته من جميع المكارم والفضائل، واضافتها الى نفسه وقبيلته، وكذلك قذف المهجو بالشتائم، وتناول الاعراض تصوير المهجو بصورة خاصة تحمل الناس على الضحك.إلى غير ذلك، كم امتازت هذه القصائد بطولها وجزالة لفظها، وقوة معانيها، وفخامة عباراتها، ومن نماذج ذلك نجد الأخطل، حيث يقول: والأكلون خبيث الزاد وحده——–والنازلون بظهر الغيب، ما الخبر؟
فيرد عليه جرير:
والأكلون خبيث الزاد وحدهم—– والنازلون إذاوراهم الخمر
ونجد أن من أبرز شعراء النقائض نجد جرير، والفرزدق، والأخطل، إلى غير ذلك.لدينا نموذج ثاني، حيث يقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا—– بيتا دعائمه أعز وأطول
بيت بناه لنا المليك،وما بنى—— حكم السماء، فإنه لا ينقل
بيت زرارة مختب بقاؤه—– ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
ويرد عليه جرير قائلا :
لمن الديار كأنها لم تحلل— بين الكناس وبين طلح الجندل؟
ولقد أرى بك والجديد إلى البلى— موت الهوى وشفاء عين المجتلي
أعددت لشعراء سم ناقع—— فسقيت آخرهم بكأس الأول.
لما وضعت على الفرزدق ميسمي—-وضغ البعيث جدعت أنف الأخطل

وفي الأخير إن شعر النقائض بدأ كتضارب وتباري بين شعراء ينتهي بانتصار الشاعر القبيلة على حساب الشاعر الآخر، ثم تطور في عصر الإسلام، ليصبح في شكل مساجلات كلامية، وليأتي العصر الأموي، حيث يصبح هذا النوع من الشعر فن قائم بحد ذاته، يحمل لنا جملة من روائع القصائد في ذلك الوقت، والتي تميزت بجزالة اللغة وقوة المعاني.
بقلم مريم سلسبيل.ت/الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى