شعر وأدب

من القلب.. “أحد الأقدار” بقلم د/ مها علي دليور

من شدة الحب تولد الغيرة و الأنانية و السيطرة و التحكم و الإلحاح المتكرر و التعلق المرضي، مما يسبب ضغط شديد على الشخص المفضل، فيتقبل كل ذلك و يتفهمه لتقديره للحب ومعرفة مكانته في قلب ذلك الشخص الذي يمارس الضغط بشكل لا إرادي، ومع تنازله وتقبله لتلك الضغوطات تصبح تلك الممارسات شيء عادي بل  ويُفرض عليه مسئوليات لم تكن على باله أو في حساباته، ولأنه مقدر للحب ويعرف مكانته جيدا لا يرغب في زحزحتها ويستمر في إرضاء ذلك الشخص الثقيل في علاقته والتنحي عن إحراجه و مواجهته بفظاظته في التعامل و الاعتراف له أنه يفرض نفسه عليه بشكل زائد، وذلك كله في مقابل احتياجاته واهتماماته الشخصية، فيتنازل مرة ويؤخر أولياته أخرى لتنفيذ رغبات من يرى غلاوته في أعينهم حتى لا يكسر قلوبهم، ولكن كل هذا لا يمر عليه مر الكرام لأنه يشعر أنه مقطع بين تحديات الحياة؛ التزاماته، اهتماماته، وقته، راحته، ما يحب، كل هؤلاء يرى أنه يتنازل عنهم لإشغال وقت فراغ لمن يفضلونه أو قضاء حاجة لهم أو السماع لفضفضتهم، و تمر الأيام بل والسنين  ويزداد شعوره أنه مظلوم و مستهلك و مرهق نفسيا ويتحول تقديره لحبهم إلى تضجر لتعلقهم به و يتمنى أن لو لم يمتلك هذه المكانة حتى يعيش حر نفسه، ويستمر في التنازل و الاسترضاء و لكن ليس عن رضا نفس بل لأنه لم يعتد كلمة “ليس الآن” أو ” لست مستعد لذلك” أو ” عندما أنهي أعمالي”، للأسف لم يعتد كلمة ” لا”.

هذا الشخص قد تغير بالفعل و العشم جعل من حوله لا يشعرون بذلك و يمارسون الضغط هو نفسه كما كان سابقا لا يشعرون بشروده ولا بلمحة الحزن التي ظهرت عليه ولم يلحظوا ضيق خلقه و عصبيته بل ظنوه يمازحهم ويرفه عنهم بتغيير أسلوبه فيضحكون و ينضغط هو أكثر عندما لا يجد مقابل لتضحياته و لم يقفوا بجانبه وقت توهانه كما فعل هو من قبل، فيدرك ان الذي انعكس له انه حب هو من أراد أن يراه في أعينهم، فرآه؛ ولم يكن حقيقي بل كان استغلال لطبيته و احتياجه للحب، ومن هنا سيحدث التحول برغبته أو رغما عنه، لأن هذا هو حكم القدر الذي لا يرضى بالظلم، و لكن فقط كان ينتظر أن يكون هذا الشخص محب التضحيات راضٍ عن هذا البعد و هذا التغيير، سيحدث تحول سلس فقط سيستبدلونه بشخص آخر ما زال في غفلته، أما هذا الشخص الذي رأى الحقيقة مؤخرا سيلتفت لحياته و يعيد ترميمها  ويرتب أولوياتها، وهذه إحدى دوائر الحياة.

د/ مها علي دليور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى