حين يصبح ردّ الفعل هو المتهم الأول

كتب: محمد نعيم شاهين
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتضاعف سرعة وصول الأخبار إلى الناس، أصبحنا نشهد ظاهرة لافتة: تُرتكب الأفعال، قد تكون مستفزّة أو ظالمة أو خارجة عن السياق، لكنّ الاهتمام الشعبي والإعلامي يذهب مباشرة إلى ردّ الفعل. يتحوّل الغاضب إلى جانٍ، والمعتدي الأصلي إلى ظلٍّ باهت في الخلفية.
خلال الأيام الأخيرة ظهرت وقائع عدّة تكشف هذا الخلل في ميزان التقييم. حدثٌ بسيط أو كلمة غير محسوبة قد تشعل غضبًا، لكن بدلاً من مساءلة من بدأ الشرارة، تنهال العناوين والاتهامات على من لم يتحمّل الاستفزاز أو قرّر أن يردّ. أصبح ردّ الفعل هو “المصيبة الكبيرة” في عيون الجمهور، مع أنّ الفعل الأول هو الذي أشعل الفتيل وكان يجب أن يكون موضع المحاسبة.
تفسير هذه الظاهرة قد يرتبط بسرعة انتشار المقاطع القصيرة المقتطعة من سياقها على وسائل التواصل الاجتماعي. فالكاميرا لا تُظهر إلا لحظة الانفجار، بينما يغيب ما سبقها من استفزاز أو ظلم. هكذا يتحوّل الضحية إلى جاني في السردية العامة.
الواجب الصحفي والإنساني معًا أن نعيد تسليط الضوء على أصل الحكاية، لا على نهايتها فقط. فالمجتمع لا ينهض بمعاقبة ردود الأفعال وحدها، بل بمحاسبة الأفعال التي تستفز وتؤجّج وتؤدي إلى هذه الردود.