مقالات

الافتراء … جريمة تهز ميزان العدل قبل أن تهز القلوب

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام

في زمن بات فيه الكلام يُطلق على عواهنه، وأصبحت الشائعات تسافر أسرع من الحقيقة، يقف الإسلام وقفة صارمة أمام الافتراء ورمي الناس بالباطل، معتبرًا إياه من كبائر الذنوب التي تهدم المجتمعات وتقتل براءة الأبرياء معنويًا قبل أن تقتل أجسادهم.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

“ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا” (الإسراء: 36).

هذه الآية تقيم حائط صد أمام كل لسان متعجل أو قلم مأجور، فالمؤمن لا يتكلم إلا بعلم، ولا ينقل إلا بيقين.

والافتراء ليس مجرد خطأ عابر، بل هو عدوان صريح على كرامة الإنسان، وقد توعد الله أصحابه بعقاب شديد:

“ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا” (النساء: 112).

فكيف بمن يتعمد تشويه سمعة إنسان بريء، وهو يعلم أن ما يقوله محض كذب وافتراء؟ إنه بذلك لا يجرح فردًا واحدًا، بل يهدم قيم المجتمع بأسره، ويزرع الشك بين الناس.

ولقد ضرب القرآن أعظم الأمثلة في حادثة الإفك التي اتُهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها ظلمًا، فقال تعالى:

“إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم” (النور: 15).

هنا يضع الله ميزان الحق: ما تظنه هينًا بكلمة أو منشور أو تعليق، قد يكون عند الله جريمة عظيمة.

الافتراء لا يُظهر قوة قائله، بل يكشف ضعف قلبه وفساد ضميره. ومن يعيش على تشويه الآخرين، إنما يكتب بنفسه سجل فضيحته أمام الله والتاريخ.

فلنحذر جميعًا من كلمة تخرج بلا بينة، فإن الكلمة قد ترفع صاحبها إلى الجنة أو تهوي به في النار. وليكن شعارنا ما أمرنا به القرآن الكريم:

“يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم” (الحجرات: 12).

هناك من يتسلح بالكلمة لا لينطق حقًا، بل ليطعن في ظهور الأبرياء. هناك من يقتات على تشويه سمعة من لا يعرفهم، فقط لأن قلبه مظلم وعقله فارغ. هؤلاء هم صناع البهتان، الذين قال الله عنهم:

“ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا” (النساء: 112).

إن رمي الناس بالباطل ليس اختلافًا في الرأي، بل جريمة مكتملة الأركان، جريمة أخلاقية ودينية، بل جريمة في حق الإنسانية نفسها. فالذي يفعل ذلك لا يدرك أنه يكتب وصمة عار في تاريخه، وأنه سيقف يومًا أمام الله عاجزًا عن الدفاع عن كذبه.

والأخطر أن بعضهم يتوهم أن الكذب على الناس أمر هين، بينما القرآن الكريم يهز ضميره إن كان له ضمير:

“وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم” (النور: 15).

إن الذي يفترى على الناس بغير علم، لا يسقطهم، بل يسقط نفسه في مستنقع الخزي، ويكشف عن فراغه الداخلي وفقره الأخلاقي. فمن كان قويًا لا يحتاج إلى الكذب، ومن كان صادقًا لا يلجأ إلى البهتان.

وإلى كل من سمح لنفسه أن ينطق بكلمة سوء في حق من لم يعرفه، نقول: توقف، فالله لا ينسى، والميزان لا يخطئ، وما تزرعه من أكاذيب ستجنيه في حياتك قبل آخرتك.

الافتراء هو رصاصات الجبناء… لكنها في النهاية تعود لتصيب قلوبهم هم، وتترك الأبرياء أنقياء كما كانوا، شامخين لا تهزهم أكاذيب الصغار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى