مقالات

الصبر.. الامتحان الصعب.. ( رؤية إنسانية.. )

بقلم ياسر سعيد

الصحفي بالأهرام

أعظم وأرفع وسيلة للوصول والبقاء والتحقق والفوز، يُنظر إليه دائماً علي أنه فضيلة.. عبادة لم يُحدد الرحمن سبحانه وتعالي لها أجراً..
أعقد معادلة يواجهها المرء في حياته لأنها تعني الرهان علي المجهول الذي يتمناه حالاً وللتو.. انتظار مفتوح بلا سقف.. فعل مستمر من الدعاء لكن بدون كلام يُقال، ومن غير يَدين ممدوتين نحو السماء تتطلع للإجابة والجبر..!!

أبداً.. لا شيء يُمتحن به الإنسان مثلما يُمتحن بالصبر، لكن أغلبنا قد يفهمه علي نحو خاطئ يعاكس حقيقة الأمر، لا ينبغي أن يُكبل الصبر صاحبه فيقيده عالقاً في الوهم.. وهم المنتظر دون فعل، الزمن وحده ليس كفيلاً بالإنجاز أو إصلاح كل شيء و أي شيء..
الصبر قرين السعي هو ما يصنع النجاح متي توفرت الثقة بالله و بالنفس..

الصبر ليس فعلاً سلبياً، إنما هو غاية الأمل.. قمة الإيجاب.. حاجز فارق بقوة بين اليأس والاستسلام من جهة و بين الرجاء وعمق الرغبة في أن نفوز بما نحب ومن نحب من جهة أخري.. فاصل واضح صريح بين المثابرة تملؤها الجرأة و يُكللها الإنجاز وبين الجمود المدمر الممزوج بالارتعاش والخوف والتوقف محلك سر..

أعظم درجات الصبر، ذلك المتولد من القوة و القدرة علي احتمال المصاعب متي أدركنا أن ذلك هو الطريق الوحيد للوصول إلي مبتغانا.. ذلك هو صبر كل الذين حفروا لأنفسهم بأيديهم طريقاً ظنه الجميع مستحيلاً ذات يوم..

الصبر هنا قوة.. تصميم.. إدراك هائل أن أجمل ما في حياتنا و أرقاه قد يحتاج إلي وقت.. زمن يدفعنا لاعتبار ما نسعي إليه سبباً نحيا من أجله، وذلك بعد مسار طويل وجهد كبير نثق أن الله عز وجل لن يضيعهما بنفس درجة الوثوق في قدراتنا المستقبلية، أن نحافظ علي ما وصلنا إليه لامعاً براقاً متألقاً طوال الوقت بل و يزيد، واعتباره ألذ ثمرة يمكن تذوقها بعد أن منحنا الصبر متعة قطفها بحقها وبحق تحركنا الدؤوب نحوها..

الصبر علي هذا النحو السابق أراه ما يستحق الوصف بالصبر الجميل الذي يختلف عنه تماماً كنقيض له ذلك القائم علي الخوف.. الصبر الذي يبرره العجز والخنوع والضعف والتعلق بالوهم وانتظار الأيام لتفعل والظروف لتعطي.. وما هذا في الحقيقة إلا إهلاك للنفس وقتلها ببطء..

يماثل ذلك أيضاً وعلي قدر مساو من السوء من اتخذ الصبر درباً مهذباً لتأجيل اتخاذ القرار والهروب من المواجهة و الاقتحام، تلك المواجهة وذلك الاقتحام اللذان يفصلان الزبد الذاهب جُفاءً عن النافع الذي يبقي للنفس، ويميزان بين الغثّ والسمين ويحققان الحِل والعَقد وإبرام موقف واضح كضوء الشمس..

هؤلاء لا يعلمون أن الحياة تنفر منهم، لأنها لا تجود بسعادتها إلا لأولئك الذين إن أرادوا فعلوا وإن تمنوا تقدموا وتحركوا.. وحتي لو كانت خطوات بدايتهم بطيئة فسيمنحها قليلاً من التقدم دفعاً هائلاً بشكل تلقائي طبيعي و مريح..

الصبر خُلق رائع بعيداً عن صوره المرفوضة، لكن رغم ذلك لابد من الاعتراف بالحقيقة التي نصل إليها جميعاً متأخرين مع تقدم العمر ، وهي أن بعض أمور الدنيا والحياة التي نعيشها لا يصلح معها أي صبر علي الإطلاق، هنا فقط تظهر بوضوح ضرورة امتلاك شجاعة الانسحاب والرفض واتخاذ كل ما يلزم من تدابير وإجراءات لإنهاء المعاناة المخبوءة والظاهرة فيها بدلاً من إطالتها دون جدوي أو نفع..

المجتمعات نفسها تفعل ذلك أحياناً كثيرة، فتعزز هذا النوع شديد الخطورة من الصبر المزعوم حين تجعل الناس يحتمون بالظن المطلق والأمل المعلق الكاذب كحلول لأي مشكلات قائمة أو محتملة، بسيطة أو معقدة في محاولة كارثية لإقناع الشعوب أن نهاية المعاناة حتماً ستكون تحولاً نحو السعادة والرخاء بلا حد، وما ذلك إلا تغييب للعقول وإمعان في فرض هيمنة الديكتاتورية وتكريس مصيبة الفشل والذل..

ليس كمثل الواقع شيء يتحدث عن الصواب والخطأ ويفصل بين نار الحَرور و نعيم الظل..

التسامح مع المعاناة فقط دون محاولة تغييرها أو حتي مجرد الخروج منها ليس بصبر ولا ببطولة مطلقاً، إنه عبء ثقيل علي الروح والجسد والقلب..
الصبر في أسمي معانيه هو ذلك الانتظار – طال أم قصر – المصحوب بالسعي المنتهي إلي النجاح والنصر، وما عدا ذلك هُراء.. كذب.. تغفيل وتضييع للوقت.. تراجع وتخاذل وتذرع للفاشلين الآملين في التحقق دون عمل وجهد..

الصبر الجميل هو أنضج درجات الحكمة التي تعرف بدقة وبسهولة متي يكون صبرها قوة ومَكْرمة ومتي يكون ضعفًا ومَنقصَة ويكون إنهاؤه حينئذ هو القرار الرابح بحق.

#قلب_بلا_دموع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى