الخيبة.. بين الواقع المأمول والموجود الضئيل..!!

بقلم ياسر سعيد
الصحفي بالأهرام
شعور نافذ لعمق القلب بلا رحمة..
رفع سقف التوقعات لحدود غير طبيعية..
بناء أقيم علي أرضٍ رخوة..
تعليق للآمال بالأحداث والأشخاص واللحظات تعليقاً حسبناه يلبي توقعاتنا الهائلة فلم يحدث بالمرة..!!
إنها الخيبة..!!
فراغ داهم إتكأنا عليه بكامل ثقلنا فسقط بنا وتهاوينا معه لقاع الوهم فجأة..
نسير بعدها دون أن نعرف إلي أين، نشعر بالفقد علي طريق لا ملامح له، حاضرين بأجسادنا في العالم من حولنا لكننا لسنا فيه بأرواحنا..!!
الخيبة..
نموذج الضياع الأمثل، غربة تتجاوز الأماكن بأجمعها وتستقر في القلب تنخر فيه ببأسٍ رهيب، نشعر بفقدان جزء من أنفسنا وبإن الدرب كله كان خاطئاً منذ انطلاقة البداية الأولي و حركتها..
لا تماسك.. الانكسار سيد الموقف، ألم يتلاشي بصعوبة بعد أن وجدنا ذواتنا تذوب في بدائل كلها لم تكن مناسبة، تنازلات لم نكن ننتوِ تقديمها، تأقلم مع من أو ما لا يشبهك ولا يماثلك و تكتشف فتسأل نفسك لماذا و كيف..؟!
النتيجة النهائية عندئذ أن تجد نفسك شخصاً غير الذي كنت تعرفه.. تركت في كل محطة خيبة مررت بها و عبرتها في حياتك جزءاً من روحك و لم يتبق إلا القليل الذي يشبه الأصل الذي كان منك..!!
الخيبة فشل ربما كنا نتوقعه قبل حدوثه لكننا لم نحاول تصديقه بما يكفي، خدعنا أنفسنا محاولين جعل الأشياء والمواقف والأشخاص أكثر احتمالاً فلم تكن كذلك و لم ننجح في استمرار المحاولة للأبد..
الخيبة مثل صورة ناقصة في بعضٍ من ألوانها حين أردنا أضافتها لم تعطنا نتائج مبهرة و لا حتي جيدة أو مُرضية ولم تظل علي حالها الأول و لم تعد تُمتعنا رؤيتها..!!
أصل الخيبات و أم رأس أسبابها يأتي من توقعنا أن الدنيا تسير وفقاً لرغباتنا.. وفقاً لما نريده تماماً دون مرونة وكأننا نحبس القدر و نقيد الواقع بمبتغانا وحين لا تلتزم الأقدار به تُصاب بالخيبة آمالنا..
من الخيبات كذلك ما يأتي سببه العميق من تجاوزنا لحقيقة البشر و افتراض المثالية علي الدوام بهم، أصدقاء كانوا أو أحبة أو حتي أقرب الناس إلينا، لا ندرك بعقلنا البسيط كونهم بشراً يحملون هم أيضاً حظهم ونصيبهم من الهشاشات والعيوب والنقائص ونقاط ضعفهم الإنسانية..!!
رؤية رأينا بها الحياة تخضع لنا نحن فقط وعندما لم نصل إليها كانت خيبتنا.. ماءاً ظنناه يقيناً علي طريق العُمر فوجدنا بالوصول إليه سراباً هائلاً وشكوكاً جَمة..
اكتشاف الوهم هنا قاسي جداً.. الصدمة قد تكون مميتة قاتلة، إدراك الفارق الكبير بين المأمول الرهيب و الموجود الضئيل هو ألم لحظة الخيبة المزلزل لبعض ضعاف النفوس منا..
لكن..
لا تعني الخيبة أبداً توقف الأمل والامتناع عن مواصلة الأحلام والطموح، إنما تعني أن ندرك طبع الكون وحقيقة الإنسان و حياته علي الأرض ذلك أنها لا تتشكل ولا تسير وفقاً لرغباته هو فقط..
لا يجب أن تدفعنا خيباتنا – حتي و إن تكررت – إلي توقف السعي بكل قوة و عزم و إرادة صلبة لتحقيق الطموحات المشروعة.. كل ما يجب وضعه في الحسبان أن ننظر لهذه الطموحات ونتعامل معها علي انها مجرد احتمال لا وعد بها من القدر.. لا فرض للحتمية لحين أن تتحقق فعلاً..
الخيبة كذلك قد تكون لحظة ميلاد جديدة و ذلك بسرعة النهوض منها و هدم الأصنام التي بنيناها لسقوف أحلامنا.. تلك الأصنام التي بعد بنائها قد صرنا نعبدها..
لابد من النظر بوعي شديد لكل آمالنا وطموحاتنا وأحلامنا، وعياً يضيف حظاً معقولاً من المرونة نتحرك به خلال عمق السعي و دأب الحركة في الوصول للهدف أو الأهداف المرجوة..
مهم أيضاً مع رفع حدود توقعاتنا أن نسد النقص الذي نعانيه أولاً، لأن توقعاتنا من الآخرين ما هي إلا انعكاساً لنقصٍ لم تملأه تجارب الماضي كما ينبغي ومتي تم علاج هذا النقص فلن تتحمل علاقاتنا و مرادتنا أي أعباء كبري فننجو من الخيبة أو علي أضعف الإيمان الجزء الأكبر والأبشع منها..
ويبقي أن نسأل أنفسنا سؤالا قد يصل بنا لبر الأمان.. هل كل ما نريده يستحق أن نتحمل من أجله القدر الكبير من وجع الخيبة إن لم نحصل عليه..؟!
اعتقد لا وبقوة..
و تبقي الخيبة معلماً صامتاً..
لحظة تقييم لكل شيء.. الحياة و النفس والناس والأحلام المجهضة..
تبقي الخيبات درساً فقط وليس منهاجاً للحياة.. درساً من يتعلمه جيداً يعرف انها ليست نهاية الطريق و إنما فقط محطة عليه.. محطة توقف وتأمل لإعادة التوازن المفقود، فرصة للتخفيف من المثالية الزائدة و معرفة حقيقة الجمال في الواقع بدونها.. مغالبة الحياة تعني في الأصل الكفاح معها و الانتصار علي مشاقها و شدة مصاعبها و تحمل ذلك وهذا حتي الوصول للنهاية..
الخيبة دعوة رائعة لرؤية الدنيا و الناس بعقل وعيون أكثر وعياً و نضجاً وعقلانية.. المهم أن نستكمل مسار حياتنا للأمام بكل عنفوان دون أن ننظر خلفنا و دون أن نلتفت.. وللأبد ما حَيينا..
#قلب_بلا_دموع