مقالات

الظن.. آفة الفكرة المسبقة..!!

بقلم ياسر سعيد

الصحفي بالأهرام

حيث يميل الإنسان لتفسير كل شيء بسرعة، يكره الحيرة والغموض ويسعي لإجابات واضحة، حاجة مُلحة للفهم العاجل تذهب بنا إلي واحد من أخطر الأخطاء الحياتية..!!

قرار في لحظة ما بتفسير الأشياء والآخر بما هو معاكس للحقيقة، غالبًا ما يجنح هذا التفسير للناحية السلبية ويحمل معني التأثيم والاستنكار والحصار في دائرة الخطأ والإدانة..
يعزز ما سبق طبع العقل البشري وحاجته ونزوحه لسد الفراغات في معرفته ومعلوماته لكنه – للأسف ـ يفعل ذلك علي حساب الحقائق فيكون الناتج الطبيعي دوامة من الظنون التي نحياها جميعًا بشكل أو بآخر في كل فترات حياتنا..

هكذا يصبح العقل أخطر الأسباب حين يسعي لتوفير الإدراك والتبسيط معًا في آن واحد فيعمد إلي إدخال الكون من حوله دائرة الأفكار المسبقة حيث يختفي الدليل وتنعدم الحجج والبراهين والطبيعي حينئذ أن نسقط في كبوة الظن..

الفيلسوف الفرنسي لوبون يذكرنا هنا بذلك عندما يقول إن عقول الناس تُقاد بالظنون بأكثر مما تفعل الحقائق..

نظن فنعتقد أننا نعرف لكننا – وعن جد – وقعنا أسري تصوراتنا الموجودة داخلنا عن الدنيا والأشياء والآخرين، تصورات ما هي إلا انطباعات عابرة نسير بقوة خلفها وتتحول رويدًا رويدًا لقناعات راسخة تؤثر أبلغ التأثير في سلوكياتنا تجاه الآخر ونحو الحياة والبشر..

وكما يتردد فإن العدالة فعلًا لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة وإنما نصل إليها بالعقل المتأمل لكن كم من الأفراد يتأملون قبل إصدار أحكامهم علي من حولهم..؟!

الأخطر في الظنون إنها قد لا تقتصر علي الأفراد كأفراد بل يمكن أن تتحول لظاهرة اجتماعية تنتج عنها صور نمطية تبرر الظلم والتمييز، فعلي سبيل المثال قد يُنظر للفقير علي أنه كسول وإلي شعب بعينه علي أنه متصف بصفة ما غير محببة للنفس أو حتي يُنظر لشخص غريب في مظهره علي أنه منحرف أخلاقيًا..!!

كل هذه أفكار تدفعنا دفعًا لسوء المعاملة والتفرقة والتمييز فتعطل مسيرة المجتمع وتمنع رؤية أعضائه بعضهم البعض بوضوح وصدق، غاية القول هنا أن العلاقات التي تقوم علي الافتراضات المتوافرة سابقًا والظنون بين الناس هي العلاقات التي تسود فيها الشجاعة علي الظلم والتجرؤ علي غياب الانصاف ودقة الفهم ودون – حتي – أدني شعور بالذنب..!!

أسوأ تداعيات الظن عندما يقف دائمًا بيننا وبين الطرف الثاني يتحكم في علاقتنا به في كل تصرف منه وشيئًا فشيئا يتولد واقع مرير تملؤه التوقعات السلبية وتعززه أفكارنا المغلوطة الخاطئة، الظن حصار كبير من الخيالات الخاطئة نضع الناس فيه ونبقيهم داخله في حلقة مفرغة لا تنتهي..!!

ما العلاج..؟!
الحكم بالظن أمر متجذر في العقل البشري، لكن في العقل النقدي مقابله يكمن العلاج..

العقل النقدي يعني التفكير المُتريث قبل إصدار الأحكام، من أهم وأفضل الطرق هنا لتجنب سوء الظن هو أن نسأل أنفسنا بوضوح عدة أسئلة:
هل لدينا الدليل علي ما نعتقد..؟

هل رأينا القصة كاملة..؟
هل يمكن أن يوجد تفسير مختلف لها..؟!
كل هذه الأسئلة في استطاعتها أن تجعل العقل أكثر انفتاحًا علي تيقن الحقيقة وتمنعه من الوقوع في شرك التسرع و الاستنتاجات الجاهزة..
غالبًا ما نجهله لا يوقعنا في الخطأ بقدر ما تفعل الظنون بينما أصل الأمور بخلافها تمامًا..

وأخيرًا..
يظلم الظن صاحبه بكل تأكيد عندما يبعده عن الرؤية الصحيحة والحكم السليم ويحبسه في مربع ضيق يخلو من التفكير المتمهل والتأني في الحكم والاستنتاج بل ويحول الظن بقوة من أن يري صاحبه البشر في حقيقتهم التي يُحتمل أن تكون أجمل كثيرًا عما يعتقد عنهم بداخله..!!

باسم الظن والظنون العالم مليء بقصص لم تُحكَ وأشخاص لم يفهموا وحقائق لم تُكتشف والتحرر من الظنون هو طريق الابتعاد الوحيد عن كل ذلك وهو في الوقت ذاته طريق الاقتراب الأقصر لرؤية الدنيا بأسرها من خلال حقيقتها الفعلية لا من خلال ظنوننا ووهمها..!!

#قلب_بلا_دموع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى