تأثيرات غياب ثقافة التجرد من المصلحة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية على واقعنا العام
: مدخل لحوار وطني شامل ...

مقال رأي بقلم د. محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الافريقية
لابد من وجود نقطة نظام فكري بعيدا عن العبثية والحداثية والعلمانية بالمعاني المغلوطة والبعيدة عن مرادها الفكري في طرح الأسئلة والمأخوذة قهرا إلى طريق التهكم والسخرية والتطاول على الدين بدعوى الثقافة والتحرر والتجديد الفكري ؛ حيث أنه هناك شعرة بين القداسة في غير محلها والتطاول على ما هو مقدس فعلا فاذا كان الدين يحترم الأقليات من ذوي الاختلافات مثل الاختلاف بسبب عاهة أو تكوين جسدي مغاير أو رغبات جنسية غير سوية أو غير مألوفة مع التماس الطب لهؤلاء وإذا كان الدين يحترم أصحاب المعتقدات الأخرى فلماذا يتم التطاول على الدين وإذا كان من بين رموز الدين من هو مخالف لصحيح الدين فهل هذا يعطي البعض الحق في التطاول على الدين وكل رموزه ، مما لاشك فيه وجود اختلافات جدلية قبل أن تكون تاريخية حول فترات كثيرة في تاريخ الإنسان على الأرض وهذا لا يعطي لأي طرف من المتدينين ومن منكري الأديان إلى التطاول على بعضهم البعض ، أن عدم وجود نقطة نظام فكري واحترام متبادل والإصرار على الاتهامات بالتكفير أو الاتهامات بالانغلاق والرجعية هي أكبر دليل على أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون دين حتى أن بعض الملحدين حولوا الإلحاد إلى عقيدة يتم التعصب لها ويتم إجراء طقوس وشعائر لها بزيارة أضرحة زعماء الإلحاد حول العالم وبترديد الشعارات وقراءة الكتب التي تنسب إلى زعماء الإلحاد حول العالم وهذا التعصب وتعمد السخرية من قبل منكري الأديان تجاه المتدينين لا يعني خفة الظل كنوع من أنواع الكوميديا السوداء وإنما يتعدى الأمر إلى سؤ خلق في العرض والتحليل لأفكار ومعطيات ومعتقدات الآخر المختلف معك وسؤ الخلق هو المبحث الأول والأخير عند كل المتدينين العدول وكلا من المتدينين والملحدين يدعوا التنور الفكري والتحضر الخلقي ثم ينزلقوا إلى العكس تماما ببساطة لأننا جميعا بشرا نُصيب ونخطيء ونتحجج ونتعصب لذا لا يجب أن يدعي المعرفة الكاملة أي طرف ولا يجب الاستعلاء من قبل أي طرف ، لابد من وجود نقطة نظام فكري رجاءا لأن الأخلاق في أزمة والفكر وحده مهما تحرر لن يكون كافيا لرأب صدع الأخلاق والدين وحده بدون تعقل وتدبر وحكمة وروية وجدال بالحسنىٰ لن يُحسن الأخلاق ولن يكون هناك مؤمن بحسن المعاملة وسيتحول المؤمن إلى شخص يؤدي طقوس وشعائر لكنه لا يشعر بها وبمعناها ومرادها ، إني أستمع للقاءات كثيرة لجماعات العلمانيين والملحدين العرب ومن يدافعوا عن حق الاعتقاد أو عدم الاعتقاد ومن ينادوا بحقوق الربوبيين وبحقوق البهائيين وبحقوق المثليين وبكذا وكذا وكذا …. ، وعندما أستمع لما يتم طرحه أجد معظمه كلام إنشائي ساخط على الثقافة السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية مجرد سرد لمسائل خلافية معروفة لمن يقرأ ويطلع على الكتب فهي مسائل خلافية مطروحه منذ عشرات ومنذ مئات السنين والبديل السليم في التعامل مع تلك القضايا ليس في الغرب كما يدعي البعض فنموذج التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي في الغرب ينتابه الكثير من العوار والشيفونية والخصائص المميزة للغرب غير القابلة للتطبيق على واقع العرب وواقع المسلمين ، والأهم من كل ما سبق هو أن أصحاب النقد لما هو سائد في المجتمعات العربية والإسلامية يقعوا في نفس أخطاء التعميم وافتراض الإلمام بالحقيقة المطلقة والحق المطلق في إصدار الأحكام على الآخر والتي هي من فعل البشر وليست من صحيح الإسلام ذاته وإنما موروث ثقافي ومجتمعي لدى كثير من العرب ومن المسلمين ليس إلا ؛ لذا يجب على من يريد التغيير ألا يقع في أخطاء ينكرها على من وقع ضحية لتعميم أفكار مغلوطة أو تجهيل لعشرات ومئات السنوات لذا يجب أن يكون حاملي شعلة التنوير جديرين بها منصفين لها متجردين من أي مصلحة حتى وإن كانت مجرد الإنتصار لآرائهم في مسألة ما من آلاف المسائل المطروحة للنقاش حتى أصبح غياب ثقافة التجرد من المصلحة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ينذر بتأثيرات سلبية على واقعنا العام تتمثل في إستمرار دائرة المصالح واستمرار التعصب المتبادل واستمرار الإحساس بالدونية أمام الغرب واستمرار الشعور العام بالخذلان فلا جدوى أمام المتدين تدين غير صحيح سوى إنتظار نهاية العالم بدلا من العمل والتعلم ولا جدوى عند أدعياء الثقافة من وجودهم في مجتمعات عاطفية متدينة لدرجة ترفض المنطق والعقل وترفض الآخر وترفض أي اختلاف فوفقا لهذا المنطق لكلا الطرفين من متدينين شكلا فقط ومن أدعياء ثقافة وفقا لهؤلاء جميعاً لا يوجد أمل في أي مستقبل أفضل أو تطور حضاري بسبب انسداد الأفق الثقافي العام والشعور بالخذلان والعجز والدونية وانقطاع التواصل بين طرفي النقيض في المعادلة بدلا من محاولة إيجاد مشتركات فكرية يمكن أن يبني عليها العقلاء من المتدينين العدول ومن أنصار الحداثة الفكرية العدول بمختلف مشاربهم فلابد من وجود مشتركات فكرية يمكن البناء عليها بدلاً من تأجيج الصراع على أساس عدم وجود أي مشترك إنساني وأخلاقي بين مفكري الحداثة وعلماء الدين العدول وختاما أقول للجميع يجب أن نكره الخطأ لا المخطيء فقد يكون المخطيء من أنصار أي فكر أو عقيدة لأن تصرفات الأنصار لا تمثل بالضرورة نقاء جوهر أي فكر أو عقيدة لذا فإن الحوار الوطني الشامل هو مدخل للتوافق حول المصالح الوطنية العليا المشتركة من إقتسام للسلطة والثروة فضلا عن مناقشة قوانين تنظيم شكل وأسلوب الحياة الاجتماعية مما يدفعنا أيضا للبحث عن المشتركات التي تُعلي مصلحة الوطن ومصلحة المواطن في كل الأفكار والمذاهب والمعتقدات وهذا هو السبيل الوحيد للتحضر والتقدم والتدافع نحو مستقبل أفضل بالفكر والعمل والعلم وليس بالاستعلاء من كل طرف بما لديه على الآخر فقد تكون الفكرة أو العقيدة سليمة لكن تطبيق المؤيدين لها قاصر وبالضرورة تطبيق أي بشر لأي فكر سوف يكون قاصرا لأننا بشر نخطيء في فهم وتأويل الفكرة أو العقيدة.
ونخطيء أيضاً في تطبيق الفكرة أو العقيدة وبناءا عليه يجب التعاون مع الآخر في حدود البحث عن المشتركات للمصالح العليا للوطن والمواطن دون استعلاء أو احتكار للحقيقة المطلقة.