
بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
ماذا لو أودع الله روحاً في القهوة وتكلمت.. ؟!
كنا سمعنا منها عجباً.. ألفاظاً للضجر والسأم منا.. صراحتها المطلقة سوف تُخجلنا..!!
،،،،،،
لو تكلمت القهوة لقالت لشاربها عزيزي تمهل رويداً، لست من لدن سقراط منزلة ولا أنت من أفكار أفلاطون منبعثاً..
أتظنك ترتشفني وبداخلك ضخامة التأويل و معارف عُظمي..؟!
هل داعب خيالك أنك تمتلك يا بائساً مذهباً فلسفياً أو معتقداً كونياً يطيب معه العيش وتنجو به البشرية.. ؟!
لا والله.. حاشا وكلا..!!
،،،،،،
يا من بيديك كوباً أو عدة أكوابٍ مني، تزعم معه أنك تحمل من الإيحاءات ما لم يحمله عتيق الكتب أندرها، أو قديم الملاحم والروايات أجملها..!!
هل حقاً بوجودي معك تلمس جوهر الأشياء وتنسجم مع نفسك التي هي بين جنبيك ومع الآخرين أيضاً.. ؟!
هل تتذوق برائحتي الفريدة المتميزة طعم الحقيقة ببطء كمن يشرب من كوثر المعرفة نهرا.. ؟!
أنا القهوة..
،،،،،،
أنا القهوة خطيرة لأبعد مدي إلي الحد الذي أهاجم فيه غرور الإنسان لهذه الدرجة.. اعرف نفسي بأكثر مما يعرفني جداً..!!
أنا المغرورة لا هو.. صاحبة الكبرياء فعلاً..!!
،،،،،،
حتي المرأة، تتعامل معي – المسكينة – وكأنها قاضية في محكمة الزمان والتاريخ.. وكأنها تنشد معي طعم الحرية الزائف التي حرمت منها دهراً بعد دهرا رغم أنها غالباً لا تستطيع التفرقة بين الفرينش مني والإسبريسو.. أما التركي فذلك معها كارثة أخري..!!
تشربني المرأة وكأنها أنجزت مهمة بطولية لا مثيل لها في معركة الحياة.. أكثر من أشفق عليهن وأنا بين أياديهن أولئك النسوة الضائعات الهلكيَ..!!
،،،،،،
وعن العشاق حدث ولا حرج معي، أنا سادتي الكرام لا أُعين أحداً علي نسيان الحبيب ولا أصلح وسيلة لتمضية الأوقات والمزاح و ملء فراغات الحياة بين الغرباء التائهين في مفترقات طرقاتهم.. أنا أكبر من تلك الحماقات وأعمق أثراً..
مرارتي في العشق ليست جرساً للإفاقة ولا درساً يمنحه لكم رجلٌ حكيم، ومع هذا يشربني العاشق المفارق وكأنه يحمل معي علي كاهله إرثاً عظيماً من ضياع العشق ومعاناة المغادرة.. مرارة الرحيل بُعداً..!!
،،،،،،
أنا القهوة..
أُشرب ساخنة.. باردة.. حلوة.. مُرة.. خفيفة.. ثقيلة..أو حتي متوازنة..
قد حطمت القواعد العادية لمألوف المشروبات أجمعين، أُشرب دونما قيد.. بلا تصنيف.. تجربة شرابي مطلقة تعكس عبثية الأزمنة والأمكنة والتيه عن الوجود كاملاً كأنه لم يكن يوماً..!!
،،،،،،
و بنهاية فنجاني أو كوب مني يتنفس المرء الصعداء لا من وجعٍ و لاعن ألمٍ أو علةٍ.. إنما لأنه قد أبحر حينئذ لحافة الأرض ومبلغ نهايتها، هذا هو عشيقي المثالي، يتأملني في صمت ونتأمل معاً الحال البائس الحزين لهذه الدنيا..!!
،،،،،،
أنا القهوة..
مذاقي بطعم الصمود.. بطعم الصلابة.. عدم الانكسار واستحالة التهشم أو التحطم في وجه مصاعب العمر بأكملها..!!
أنا أرقي كثيراً وأروع ممن أدعي إنه إنساناً.. وأبقي..!!
،،،،،،
#قلب_بلا_دموع