نعمة القلم ..

بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
عادة غريبة لاحظتها عندي ..
أكتب نصوصاً علي أوراق كثيرة وأتركها جانباً، لم أنسها ولم أتعمد إهمالها، فقط لست راضياً عنها ..
تمر الأيام وأقلّب في هذه الأوراق ببطء وتركيز .. أضيف وأحذف وأبدل وأصحح ثم أقرأها فأجدها لا زالت لا تروق لي .. !!
ثم تمر الأيام وأعيد ما فعلته مرة ثانية وثالثة .. إلي أن أقرر عدم نشرها تماماً وتمزيقها وإلقائها في أقرب سلة قمامة وأجد نفسي حزيناً فسوف يضيع جهدي فيها ووقتي وأبدأ في إقناع نفسي بجدواها إلي أن أقرر نشرها وليكن ما يكون .. !!
وتأتيني المفاجأة أنها قد نالت من الإعجاب ما لم أكن أتوقع أو أعتقد ..
تُري ما السبب في عدم رضائي عنها أولا وذلك السبب الآخر في أنها قد فازت بالإعجاب .. ؟
و هل هو سبب واحد أم عدة أسباب ؟
ما أكتبه هنا علي صفحتي ليس بالضرورة ابن اللحظة في الكتابة ولا التفكير الحالي .. لست نشرة أخبار ولن أكون، ما أكتبه هو الإنسان، ربما أنا في بعض الأحيان و ربما لا، سطور ليست بالضرورة خطأً وليست بالضرورة صواباً .. إنه اجتهاد يقبل النقد – جداً جداً – و المراجعات ..
الكتابة عندي اجتهاد حيّرني كثيراً ، هل أراهن فيه علي السعادة أم علي تمرير القسوة بسهولة – ولماذا – حتي لو كانت مرفوضة من القارئ .. ؟!
هل هو تشجيع علي المعاناة وتحمل أثقال الحياة أم غيث لم يعد يُجدي نفعاً لأرض أصابها البوار يمثلها الإنسان .. ؟!
هذا الذي أكتبه اجتهاداً هل هو تعقيد أم انفراجة .. مقاومة أم استسلام .. عطاء أم حرمان.. تيسير أم تعسير .. ملء لرأسي أم تفريغ عبر المداد .. إزعاج أم راحة .. تدبير أم حماقة .. تعبير عن الامتنان والشكر ولمن .. أم محاولات للصبر المؤقت والتخطي .. ؟!
تساؤلات بلا نهاية .. !!
غاية ما أعرفه عن هذا الاجتهاد الملقب عندي بالكتابة أنه كالطريق ، لكنه ليس كالباقي من الطرق، أبدأه تائهاً هائماً مبعثراً وأصل في نهايته مهتدياً راشداً منسقاً ومرتباً كأتم وأفضل ما يكون التنسيق و الترتيب .. !!
غاية ما أعرفه أنني مع الكتابة أنسي نفسي بالساعات و يصيبني صداع ما بعده صداع، أري الدنيا بعين واحدة – رغم اثنتين امتلكهما – بؤرة العدسة فيها لا تري سوانا .. الإنسان فقط، أنتم و أنا .. حتي مع الخيال الجامح والرضا .. !!
مع الكتابة قد تدمع عيني، الكتابة راحة .. مكسب بعد الخسارات .. وقوف بعد التعثر .. الكتابة صلابة .. شعور بعد التبلد .. بريق أعقب انطفاء .. جمع بعد شتات .. مُتسع قد انتصر علي الضيق ..
الكتابة رحيل دون مسافة .. أن يحتضنك القلم وتجلس برفقته يَجْبرك من الكسر وهو يُعاني .. !!
الكتابة أعظم صفعة يمكن أن تضعها علي وجه الألم وأقواها ، يترنح علي أثرها إن أحسنت توجيهها فيسقط صريعاً قتيلاً .. وللأبد .. !!
الحمد لله علي نعمة القلم و مداده ..
الحمد لله ..
#قلب_بلا_دموع
( من دفتر يومياتي ـ مساء الخميس 2 يناير 2025 )