الصندوق الغامض.. بقلم مريم عبيدات

في عتمة الفجر الأول، حين كانت السماء ترتدي رماد الليل وتتخللها خيوط ضوء باهتة، شقّ رجل مجهول طريقه بين الصخور المتناثرة في وادٍ منسي. لم يكن أحد يعرف من أين أتى، ولم يسأله أحد إلى أين يتجه. كان وجهه مزيجًا من صمت السنين وغموض الأسرار. يده اليمنى تمسك عصا خشبية، واليسرى تضمّ إلى صدره صندوقًا صغيرًا مغلقًا بإحكام.
تحدث أهل القرية عن قدومه بصوت خافت، كما لو كانوا يخشون أن يسمعهم. لكن الرجل لم يتوقف عند أحد، ولم ينظر إلى أحد. توجه مباشرة إلى أطراف القرية، حيث تلتقي حدودها مع غابة كثيفة مظلمة يقال إنها موطن للضياع ولمن لا يُريد أن يعود.
عند أطراف الغابة، توقف. وضع الصندوق على الأرض وأخرج مفتاحًا صغيرًا من جيب معطفه. فتح الصندوق ببطء، لكن لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب ليعرف ما بداخله. بعد لحظات، أغلقه وأخذ يتأمل الغابة. بقي على هذا الحال طويلًا، كأنما كان يبحث عن شيء لا يراه أحد غيره.
مع شروق الشمس، عاد إلى القرية، ولكن هذه المرة لم يكن يحمل الصندوق. بدلًا من ذلك، بدأ يتجول بين البيوت، يدخل دون استئذان، ينظر إلى الوجوه بعينين غريبتين، ثم يغادر دون أن يقول شيئًا. كان حضوره يبعث في النفوس مزيجًا من الخوف والفضول، وكأن ظهوره يحمل رسالة خفية لا يفهمها إلا من أرهف قلبه وسمع.
مع مرور الأيام، بدأ أهل القرية يلاحظون أمرًا غريبًا: كل من اقترب منه أو لامسته عيناه كان يمر بتغير عميق. البعض بدأ يرى في ظلال الغروب لوحات لم يلاحظها من قبل، والبعض الآخر صار يسمع في هدوء الليل همسات لم يكن يعيها. لم يكن أحد يعرف ما الذي فعله الرجل أو ما الذي حمله معه في ذلك الصندوق.
وفي صباح أحد الأيام، غادر الرجل القرية كما أتى، بلا وداع ولا أثر. لكن الغموض الذي تركه خلفه بقي. لم يعد أحد يرى العالم كما كان. شيء ما تغيّر. شيء لا يمكن لمسه أو تفسيره، لكنه أشعل في كل روح شعلة تبحث عن معنى في أكثر الأشياء غموضًا وبساطةً.
مريم عبيدات/ المغرب