الأوقاف تنتصر لفقه الذوق العام

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
«لا ضرر ولا ضرار»… الدين رحمة لا إزعاج
في خطوة تحسب لوزارة الأوقاف، جاء قرار قصر استخدام مكبرات الصوت في المساجد على الأذان وخطبة الجمعة فقط، ليؤكد أن الإسلام دين رحمة وذوق، لا دين ضجيج وإزعاج، وأن تعظيم الشعائر لا يكون برفع الصوت بلا ضابط، بل بالفهم الصحيح لمقاصد الدين.
المساجد – خاصة الزوايا الصغيرة – باتت في قلب الكتل السكنية، تحيط بها بيوت يسكنها مريض يتألم، وطالب يذاكر، وطفل نائم، وكبير سن يبحث عن السكينة. فكيف يُتصور أن يكون الأذى سبيلًا للدعوة؟!
«لا ضرر ولا ضرار»… قاعدة شرعية لا جدال فيها
أرسى النبي ﷺ قاعدة عظيمة بقوله:
«لا ضرر ولا ضرار»
وهي قاعدة فقهية تُقدم على كثير من النوافل والمستحبات، فدرء الأذى مقدم على جلب المصلحة.
فإذا كان رفع الصوت في الدروس أو الخطب عبر المكبرات يؤدي إلى إيذاء الناس، فإن تنفيذ القانون المنظم يصبح واجبًا شرعيًا لا خيارًا إداريًا.
القرآن يُتلى للإنصات
يقول الله تعالى صراحة:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
(الأعراف: 204)
وهنا يطرح السؤال المنطقي:
كيف يُطلب من إنسان نائم أو مريض أو منشغل بعمله أن ينصت؟
وهل تُنال الرحمة بالقهر السمعي؟!
القرآن لم يُنزل ليكون ضجيجًا في الخلفية، بل كلام الله يُتلى في موضعه، وبحضرة قلبٍ منصت.
العبادة ليست بالصراخ
رفع الصوت المزعج – سواء في الأذان أو غيره – ينفّر ولا يُحبّب، والله تعالى يقول:
﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾
(لقمان: 19)
والنبي ﷺ حذّر من إيذاء الآخرين بالصوت فقال:
«كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة»
فالدين ليس صراخًا، ولا التديّن يُقاس بعلو الصوت، بل بحسن الأثر في النفوس.
اختيار الأصوات… مسؤولية دينية
الأذان رسالة، وليس استعراضًا.
والصوت الجميل يشد الناس إلى الصلاة، أما الصوت الحاد المزعج فيدفعهم للنفور، والله تعالى يقول:
﴿ادْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾
(النحل: 125)
فأين الحكمة في إزعاج الناس؟
وأين الموعظة الحسنة في تنفير القلوب؟
الدين متاح… والميكروفون ليس شرطًا
في عصر تتوفر فيه الإذاعة والتلفزيون والمصاحف والتطبيقات، لم يعد الميكروفون وسيلة وحيدة للذكر، بل أصبح – إن أُسيء استخدامه – وسيلة أذى.
ومن الرحمة بالناس أن نُبقي العبادة داخل بيوت الله، لا مفروضة على بيوت العباد.
تحية تقدير لوزارة الأوقاف
إن موقف وزارة الأوقاف يُحسب لها، لأنه يحمي قدسية العبادة، ويصون حق الجوار، ويعيد للدين هيبته ووقاره، ويؤكد أن الإسلام دين النظام، لا الفوضى، ودين الرحمة، لا الإزعاج.
فالعبادة الحقة تقرّب الناس من الله، ولا تبعدهم عنه.
و نحن دولة نحترم القانون فيجب احترام قرارات الوزارة في ذلك




