آسف على الإزعاج.. بقلم الأديب د. طارق رضوان جمعة

قال تعالي : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
يا من تحسبون كسرَ الروحِ هيناً وهو عند الله عظيم !!
الروح نفخة من الحق وسِرٌّ من الأسرار العُلوية هي الأمانة التي حملها الإنسان وهي جوهرة وجوده، فإذا كُسرت الروح فكأنك مسست موطن نظر الله في العبد. ومن كسر روحًا طاهرة أو أطفأ نور قلبٍ مقبلٍ عليه، فقد وقف بين العبد وربه.
قال بعضهم: “القلوب أوانٍ، وأشرفها ما أمتلأ بحضرة الله، فويل لمن كسر إناء الحضرة ! كسر الروح يُظلم القلب، ويُغلق باب الإقبال، وينكسر اليقين، وتتأخر الرحمة، ويغيب النور عن الطريق…
ولهذا قال أهل الذوق: ( كسرُ خاطرٍ في الأرض، يزلزلُ عرش السماء.) لأن الروح إذا انكسرت صاحت في الخفاء: يا رب…والله لا يرد من ناداه بصدق الكسر! وما أعظم جُرأة من يتحدى رحمة الله بكسره لمحبوبٍ من عباده! ومن آذى روحًا ( فقد آذى مقامًا من مقامات الجمال الإلهي) الأرواح هي أسرار تمشي! وحضورٌ لله لا يُرى…
لا تبحث بعيدًا فالسر أمامك الآن فكل ما ضاق بك كان تمهيدًا للإتساع وكل كسر مرّ عليك كان دعوة للعبور. فالألم لا يأتي عبثًا، والأقدار لا تثقل إلا لتُنضج.
يا هذا إن الله لا يعذب بالقدر، بل يربي به القلوب المستعدة. ولو كشف لك الحكمة دفعة لأحترقت،
فجعلها قطرات لتحتملها روحك. ما ظننته خسارة كان نقل مقام. وما حسبته فشلًا كان سترًا عظيمًا.
إن الله إذا أحب عبدًا أوقفه .. لا ليمنعه بل ليغيّر وجهته، فأثبت حيث أنت ولا تتعجل .. فالأبواب تُفتح من الداخل أولًا.
الطمأنينة ليست غياب الخوف، بل حضور الله في قلب الخائف فيطمئن ويسكن.
فالروح لا تشفى بالمقاومة
بل بالإنحناء في موضعه الصحيح. إن الله لا يطلب كمالًا .. بل قلبًا حاضرًا غير متجمل، فأنظر كيف يعاملك في ضعفك .. ستعلم أنه كان أقرب مما ظننت. وإن وجدت نفسك باكيًا بلا سبب فاعلم أن الغسل قد بدأ.
هذا الخطاب ليس جديدًا
بل قديم قدم الأرواح
لكنه قيل اليوم لأنك تسمع
وقيل لك لأنك تحتمل
فلا تعد كما كنت قبل القراءة. ولا تُغلق بابًا فُتح فيك.
( أمشِ خفيفًا فالطريق يعرفك .. واهدأ فالله معك الآن. ) قد لا تفهم ما يجرى لك بحياتك؛ من منع وعطاء ..وفقر وغنى
وتراكم ديون .. وبكاء عيون وأوهام وظنون.. وغرام وشجون مع الحق … أو مع الخلق. فما عليك إلا الوقوف على حد الأدب
لكن أحيانًا الفرد نفسه هو سبب كسر نفسه بنفسه: فأنظر لتلك الزوجة التى تُؤثر أولادها وزوجها على نفسها فتأكل الفتات وتلبس المتاح من الملبس ولا تطلب الجديد منه، إيثارًا أصبح حقًا مكتسبًا وليس فضلًا وتضحيًة. تلك السياسة التربوية خاطئة، فقد عودتى أسرتك أن تكونى فى أخر قائمة الاهتمام. ولذلك كان لزامًا أن تحصدى كسرة النفس والاهمال.
فلا أنتِ ضِلّ في هذا البيت
ولا كائن هامشى. أنتِ روح البيت. أنتِ من علّمتيهم يأخذوا دون عطاء، فلا ترضى بالبواقي لا في الأكل، ولا في الحنان. أرفضى بواقي الشعور، بواقى الكلام والنظرة. لماذا تعيشى على فتافيت حب، فتافيت راحة،
وفتافيت نفس؟!
خصصى لنفسك طبق.
وأشتري الفاكهة التى تحبيها. وألبسي لبس أنيق. أكوي لنفسك قبل أن تكوي ملابسهم. اهتمامك بنفسك مش غرور ولا أنانية، لكن لكى يعرف الجميع إن لكِ
دور، ولكِ حياة، ولكِ قيمة.
دعى الرجل يفهم إنك شريكة ولستى خادمة أو شىء مملوك ضمن هو وجوده للأبد. لا تكونى كقطعة أثاث منزلى.
إنتِ عارفه المُطلقة هى ست ملت من كثرة الوعود التى لا يتم تنفيذها، هى ست إنكسرت مرات عديدة، هى ست لم تجد الأمان فى عشرة السنين الذى مضت، لكن رفضت تعيش فى دور الضحية وقررت تبحث عن بقايا روحها وجسدها وتنقذهم من الذل والإهانة.
الطلاق كان نقطة بداية.
بداية ست عرفت قيمتها بجد. عرفت إن الذى يستنزف روحها ليس حب.
ما فائدة بيت ملىء بالدموع والقهر؟ بيت أنتِ فيه غريبة بل أشد. بيت وجدت فيه إن الوحدة أرحم من وجود مؤذي، وإن الهدوء نعمة لا يعرفها إلا من عاش في حرب يومية.
الشخص الذى ينظر للمطلّقة على إنها مكسورة، لم يجرب أن يُصلّح نفسه دون أن يسنده أحد.
وهذه الست الأرملة… ولا نقصد من مات زوجها. بل أتحدث عن أرامل ليس على الورق…بل أرامل في المشاعر.
فالموت ليس موت الزوج لكنه موت الأمان الذى يفترض أن يهبه وجود الزوج.
هي زوجة لزوج لا يسأل ولا يسمع ولا يحتوى. زوجة لكن تنام بمفردها، تفرح بمفردها. وتبكى بمفردها. هما تحت سقف واحد لكن قلوب شتى.
تلك زوجة أفتقدت الإحساس إنها مرغوبة، هى ليست واجب مقرر، إنها حبيبة وليست عبء ثقيل على القلب.
أصعب وجع؟إنها تبقى أرملة وهو جالس بجوارها، تراه ولا يراها، يستمتع بها ولا يُمتعها، تحتاجه فتجده أبعد من الغريب. مع الوقت يختفى العتاب وتموت الأنثى جزء بجزء.
الرجولة لا تعنى أكل وشرب وفلوس فقط، الرجولة حضور، أمان. الوجع الحقيقي ليس موت الرجل، الوجع إن الرجولة تموت. هى وقتها هتبطل تعتب أو تحب او تسمع أو تثق.
لا يرى كلامى هذا هجومًا على الرجل إلا من وجد فى نفسه هذه العيوب فخجل من ذاته.
أيها الزوج ليتك تفهم ان أسوأ وأسخف طريقة تحاول بها تصالح زوجتك إنك تتجاهل زعلها كله ، وتقرر فجأة إن الحل هو العلاقة الحميميه !
لكن عليك أن تفهم أن هذا قمة الخطأ، فهى ما زالت غير راضية. بهذا تكون أرسلت رسالة قاسية جدًا من غير ما تنطق كلمة. فما هذا حب ولا شوق. إنما محتوى الرسالة هو “زَعلك مش مهم… إحساسك على الهامش… وأنا مش فاضي أفهمك.” وهذا ليس تصالح لكنه استهتار، ليست رجولة.
لكنها أنانية.
هذا النوع من الرجال لا يفهم معنى الأنثى ولا معنى شراكة. فأين الإحساس بكرامة الزوجة التى تحتاج
رجل يسمع قبل أن يقترّب، ويفهم قبل ما يطالب، ويحتوي قبل ما يفكّر في نفسه.
وختامًا من يظن أن الرجولة قُرب جسدى فقط، سيستيقظ يومًا ليجد البعد والكراهية وضع دائم. صالح بعقلك وقلبك. فكر قبل ما تلمس وإلا هتتكهرب وتضر نفسك وتضر شريكة حياتك.




