هل أنت بخير؟ بقلم الأديب د. طارق رضوان جمعة

ويأتي الصباح كل يوم ويُلقي تحيته لي دومًا بصباح الخير. فيسألني لماذا الصمت والألم. هل تسمعني .. هل أنت بخير؟ نعم ربما أنا بخير .. فقط قلبي يؤلمني قليلاً.. وروحي تنتزع مني.. ولكني بخير.. صمتًا يأكل عمق نبضي ويحطم جدارن قلبي .. وخريفًا يبعثر أضلعي… لكني ما زلت بخير.. أشعر بالوحدة رغم ما بداخلي من زحام و ضجيج لا يُريد أن يهدأ.. ويتابعه عواصف هوجاء تقتلع ما تبقى من أجزائي… ولكني بخير. أصارع أمواج أدمع أعيني التي تتفتت على أسوار أهدابها حتي لا تُغادرها.. ويظن أحداً ما بأنني لست بخير .. ولكني بخير.. قلق يحاربني ويقف حائلاً بيني وبين نومي كأنه جاثوم أقسم علي ترك هالته السوداء أسفل عيني .. ولكن نعم…نعم … أنا بخير ..دومًا.
لذلك جـاري البحث عن مواطنٍ تاه، ما وجد الحب ولا مــآواه، عن أملٍ شاخ وحلمٍ داخ. جاري البحث عن أمة تُدعی عربية غابت بليالٍ عـبثية، بربيعِ الأمة الغربية صارت أمتنا شللية!
أه … يا الله … منين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه … إذا كنت كل ما أقوله، نص عقلي يتوه. الحب هو سماد الحياة وفى ظنى أن غياب الحب، يعطى الفرصة للحقد ليروى الأرض، وينبت الشوك وآلات الحرب الطاغية التى لا تعرف الرحمة، ولا تعرف سوى المزيد من الخوف والاستبداد.
لكن حين نركب مراكب الحب لا نبحث عن الثقوب التي فيها ولا ننظر للعيوب ولا للخرائط لنعرف إلى أين ذاهبون. نحن فقط نرفع الأشرعة ونترك الريح تأخذنا حيث تشاء. فالمرء ليس بحاجة لعلاقة تُكمله إنه بحاجة لعلاقة تُجمله تجعله يُزهر من الداخل تلك العلاقة التي تنمو من تلقاء نفسها ويكفيك ٲن يحبك أحدهم بقلب لا يؤمن بالنهايات أبداً لتشعر بالأمان.
فالحب الحقيقي لا يموت أبدًا. قد يعرف الفواصل ، قد يعرف الاستفهام ؟ وقد يعرف التعجب ! إنما لا يعرف النقطة في آخر السطر أبدًا.
ولكن كيف نتقن الحب؟ وما الذى نحتاجه لنعرف الحب ويعرف هو طريق قلوبنا؟! نحتاج قبل أى شىء إلى أن نحب الله، فهو الصانع لمخلوقاته والأعلم بنفوسنا ودواخلنا… فهو من ألهمها فجورها وتقواها. ومن يحب الله سيعرف كيف يحب ذاته ويتصالح نفسيًا مع ذاته ومن ثم سيمنح الحب لمن حوله ليحصد هو تباعًا الحب ممن حوله.
فنحن لم نرى الله عز وجل، لكن لنعرفه ونتقرب إليه علينا أن ندرس ما قاله الله ورسوله . فسبحان المؤلف الأعظم جل جلاله الذى استطاع من حروف لفظ الجلالة (الله) أن يؤلف جملة من نفس الحروف ( لا اله الا الله ) فهل يستطيع أعظم مؤلف في العالم أن يؤلف جملة من نفس حروف إسمه ويتحدث فيها عن نفسه كما تحدث الله عن نفسه بجملة بليغة ووجيزة؟!
ولنا فى قصة الحوت الأزرق وسيدنا يونس عبرة، فالحوت الأزرق أضخم حيوان خلقه الله تبارك وتعالى. وبدراسة الحوت الأزرق تعرف ان بلعومه على ضخامته لا يبلع إلا الكائنات الدقيقة فإذا دخل فمه أي شيء كبير لا يُبتلع ولذلك بقي سيدنا يونس عليه السلام في فمه كاللقمة. فهو ( أهتم ) ليس له أسنان. وقد قال علماء الحيوان : أن لسان الحوت يستطيع أن يقف عليه أكثر من رجل والفم مغلق بدون أي مضايقة. ولهذا قال ربنا تبارك وتعالى { فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ } ولم يقل أبتلعه أو هضمه.
ثم يقول الله رب العالمين بإيات أخرى { وأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ }.(بعد خروج سيدنا يونس) سورة الصافات الكريمة فلماذا اليقطين ؟ لأن اليقطين يملك أكبر حجم لورقة نبات. وبذلك يمكنها ستر النبى يونس. كما أن ساق اليقطين وفروعه وأوراقه وثماره مليئة بالمضادات الحيوية ولهذا لا تقربه حشره.
والإعجاز في القرآن الكريم لا ينتهى، ذلك الكتاب الذى أحصى كل شىءعلمًا فلا ريب فيه: الكتاب الذى ذكر كلمة الأيام ٣٦٥ مرة وهو عدد أيام السنة. وذكر اليوم منفردًا ٣٠ مرة وهو عدد أيام الشهر. وذكر القمر ١٢ مرة وهو عدد الأشهر القمرية. وذكر الإيمان ٢٥ مرة والكفر ٢٥ مرة أيضا. وذكر الدنيا ١١٥ مرة والآخرة ١١٥ مرة أيضا. وذكر الملائكة ٨٨ والشيطان ٨٨ مرة. وذكر الشهر ١٢ مرة وهو عدد أشهر السنة. وذكر الناس ٥٠ مرة والأنبياء ٥٠ مرة. و ذكر الرجال ٢٤ مرة والنساء ٢٤ مرة أيضا.
وذكر الحياة ١٤٥ مرة والموت ١٤٥ مرة. وذكر الحسنات ١٦٧ مرة والسيئات أيضا ١٦٧ م وذكر السموات ٧ مرات على عددها. وذكر العقاب ١١٧ مرة والمغفرة ٢٣٤ مرة
ولا ننسى معجزة سيدنا إبراهيم، خليل الرحمن، والنار التى جعلها الله بردًا وسلامًا. وغيرها من القصص القرأنى البديع.
وأترك لكم التلذذ بهذا المعنى في قول الله عز و جل في سورة الحديد:
“وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس” قال “أنزلنا” ولم يقل “خلقنا”..! يقول العلماء.. ان الحديد لم يتكون من داخل الأرض كغيره من المعادن.. وإنما نزل من السماء عند تكوين الأرض.. المفاجأة أن الحديد لم يتكون حتى داخل مجموعتنا الشمسية وإنما خارجها..فتكوين الحديد يستلزم طاقة غير موجودة على الأرض ولا حتى في المجموعة الشمسية..!! يكفي أن نعرف أن الإندماج النووي اللازم لتكوين ذرات الحديد يستلزم درجة حرارة تقدر ب ٥ بلايين درجة مئوية..!
وهذه الحرارة غير متوفرة حتى في الشمس، التى يبلغ درجة سطحها ٦٠٠٠ درجة و مركزها مليون درجة! يبلغ الوزن الذري للحديد ٥٧ وهو ترتيب السورة في القرآن.. والعدد الذري للحديد ٢٦ .. وهو رقم الآية في السورة..! لا يمكن أن يكون هذا التلاقي مصادفة..! يتكون قلب الأرض ومركزها من الحديد.. وجود الحديد بنسبة كبيرة هناك هو ما يعطي للكرة الأرضية مجالها المغناطيسي الذي يحافظ على غلافها الجوي ويحميها من الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس..! فلولاه لأنتهت الحياة على كوكب الأرض..!
المفارقة أن سورة الحديد تقع في قلب القرآن مثلما أن الحديد يقع في قلب الأرض..! ترتيب سورة الحديد ٥٧.. وسور القرآن ١١٤..! تعالى الله عما يشركون..!
وختامًا أعتقد أن من يعى كل هذا لن يكون مواطن تائه أبدًا أو شخص لا يعرف الحب. فالله محبة.




