مقالات

من لم يكن صبيًّا… لا يصلح أن يكون معلمًا

الكاتبة الصحفية شيرين عصام

ليست كل وظيفة تُدار بالمكاتب المكيفة، ولا كل منظومة تُقاد بالأوامر المكتوبة والتوقيعات الرسمية. هناك مهن لا تُفهم من الكتب، ولا تُتقن من فوق المكاتب، مهن لا يُؤتمن عليها إلا من عاشها من القاع إلى القمة، من كان يومًا «صبيًّا» فيها قبل أن يفكر أن يكون «معلمًا».

من لم يبدأ من الأساس، لا يعرف أين الخلل، ولا يدرك أين تتكسر المنظومة عند أول ضغط. من لم يذق مرارة الشغل، ولم يتحمل الإهانة، ولم يقف في الصف الأخير يتعلم بالمشاهدة والخطأ والتجربة، لا يملك حق القيادة، حتى لو حمل أعلى الشهادات.

الكارثة الحقيقية ليست في فشل المسؤول، بل في غروره حين يظن أن المنصب يمنحه الفهم تلقائيًا. المسؤول الذي لا يعرف أصل الشغلانة، ولا تاريخها، ولا تعب ناسها، ولا تفاصيلها الصغيرة، يتحول إلى عبء على المنظومة لا قائد لها. قراراته تكون معزولة عن الواقع، وتعليماته تصطدم بالحائط، وإصلاحه المزعوم لا يزيد الأمور إلا تعقيدًا.

القيادة ليست رتبة، بل خبرة متراكمة. ليست لقبًا، بل فهمًا عميقًا لتفاصيل العمل، لمشاكله اليومية، لحيله، لمخاطره، وللجهد غير المرئي الذي يبذله العامل البسيط. من لم يعمل بيديه، لن يشعر بوجع من يعملون. ومن لم يقف مكانهم، لن ينصفهم أبدًا.

ولهذا تنهار منظومات كاملة عندما تُدار بعقلية “أنا أفهم أكثر”، لا بعقلية “أنا مررت بكل خطوة”. نرى مسؤولين يتخذون قرارات مصيرية دون أن يعرفوا كيف تُنفذ، أو كم تُكلف، أو من يدفع ثمنها الحقيقي. فيُرهقون العامل، ويعطلون الإنتاج، ثم يتساءلون بدهشة: لماذا فشلنا؟

الحقيقة واضحة وبسيطة:
من لم يكن صبيًّا، لن يكون معلمًا ناجحًا.
ومن لم يتدرج، لن يقود.
ومن لم يعرف الأصل، لن يحفظ الفرع.

المنظومات لا تحتاج متعلمين فقط، بل تحتاج أبناء المهنة الحقيقيين؛ الذين تعلموا في الورش، وفي المواقع، وفي الشارع، وفي قلب التجربة. هؤلاء وحدهم القادرون على القيادة، لأنهم يعرفون أين تبدأ المشكلة… وكيف تنتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى