فوز زهران ممداني… رغم أنف ترامب!

بقلم الكاتبه الصحفيه: شيرين عصام
في لحظةٍ فارقة من تاريخ السياسة الأمريكية، أعلن زهران ممداني فوزه الساحق في الانتخابات التمهيدية لعمدة نيويورك، متحديًا كل التوقعات، ومتجاوزًا العقبات التي وضعها في طريقه خصومه السياسيون، وعلى رأسهم دونالد ترامب نفسه. فوزٌ لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل كان إعلانًا رمزيًا عن أن الديمقراطية الحقيقية في أمريكا ما زالت تنبض — رغم محاولات خنقها.
منذ انطلاق حملته، لم يكن زهران ممداني مرشحًا تقليديًا. لم يمتلك ماكينة انتخابية ضخمة، ولا دعمًا مطلقًا من الحزب الديمقراطي، بل راهن على الشارع، على الشباب، وعلى الفقراء الذين يشعرون أن صوتهم لا يُسمع. ركّز على قضايا الحياة اليومية: السكن، المواصلات، والعدالة الاجتماعية. تحدّث بلسان الناس لا بلغة السياسيين، فصدّقه الناس.
أما ترامب، فحاول كالعادة أن يلعب دور “صانع الملوك”، فوصف ممداني بأنه “شيوعي متطرف” وسعى لتشويه صورته عبر الإعلام الموالي له. لكن المفارقة أن كل هجوم جديد كان يزيد من شعبيته. بدأ المشهد كأنّ أمريكا تُعيد اكتشاف نفسها من خلال هذا الصدام؛ فبينما أراد ترامب أن يُثبت أن النفوذ والمال يحكمان اللعبة، جاءت صناديق الاقتراع لتقول العكس: من يملك الضمير والصدق، يمكنه أن يهزم آلة السلطة.
فوز زهران ممداني هو رسالة عميقة عن الديمقراطية الحقيقية — تلك التي لا تُقاس بعدد الخطب، بل بقدرة المواطن العادي على أن يغيّر الواقع بصوته. لقد أحرج ممداني الحزب الديمقراطي نفسه، وأثبت أن التيار التقدّمي قادر على اختراق جدران المؤسسة الحزبية القديمة.
إنها ديمقراطية لا تعني أن يُسمح لك بالاختيار بين وجوه متشابهة، بل أن تُمنح فرصة لاختيار من يشبهك فعلاً، من يعيش همومك ويفهم معاناتك. لهذا كان فوز ممداني رغم أنف ترامب — ورغم أنف كل من ظن أن السياسة الأمريكية باتت ملعبًا مغلقًا للكبار فقط.
وفي وقتٍ يزداد فيه الحديث عن تآكل الديمقراطيات حول العالم، جاء هذا الفوز ليعيد شيئًا من الأمل في أن أمريكا، رغم كل ما يُقال عنها، لا تزال قادرة على إنتاج مفاجآت تعيد التوازن بين السلطة والإرادة الشعبية.
إنها لحظة تستحق التوقف: لأن ما فعله زهران ممداني لم يكن مجرد فوز انتخابي، بل درس في الإصرار والشجاعة…
درس يقول: يمكن أن تهزم المال بالدعم الشعبي، ويمكن أن تهزم ترامب بالحق.




