وجوه زائفة… وأرواح ملوّثة

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
في زمنٍ اختلطت فيه المظاهر بالجوهر، صار الغش مهارة، والخداع “ذكاء”، والوصولية طريقًا قصيرًا نحو المجد الزائف. نرى من يبتسم في وجهك وهو يحمل خنجره خلف ظهره، ومن يمدحك أمام الناس وهو يحفر لك الحُفرة في الخفاء. هؤلاء هم أبناء المصلحة، لا يعرفون ولاءً إلا لأهوائهم، ولا ينحازون إلا حيث توجد منفعتهم.
كم من إنسانٍ طيبٍ شُوِّهت سمعته لأن الحق يزعجهم!
وكم من صادقٍ تم تهميشه لأن الوضوح لا يناسبهم!
هم لا يتورعون عن تشويه صورة غيرهم، يظنون أن خفض الآخرين سيرفعهم، وأن تلويث الصفحات البيضاء سيُظهرهم ناصعين، لكنهم نسوا أن الله لا يُصلح عمل المفسدين، وأن الكذب وإن سار لحظة، فالحق باقٍ إلى الأبد.
وما أشد قسوة أولئك الذين يعرفون أن أحدهم يمر بظروفٍ صعبة، ومع ذلك يستغلونه أسوأ استغلال!
يأكلون جهده، ويستهينون بتعبه، ويصرّون على جشعهم كأن الرحمة قد نُزعت من قلوبهم.
لكن الأقسى من كل ذلك، أنهم يعاملون الناس بمكيالين.
فإن كان المتحدث من دائرتهم، تساهلوا معه وغضّوا الطرف عن أخطائه،
وإن كان ضعيفًا أو بلا سند، انقضّوا عليه كأنهم قضاة العدل، يجلدونه ويهينونه دون رحمة.
يتلونون بحسب المصلحة، يبدّلون وجوههم كما يبدّلون أقنعتهم،
يُظهرون اللين حيث المنفعة، ويُطلقون القسوة حيث لا مكسب.
هؤلاء نسوا أن العدل من أسماء الله، وأن من ظلم اليوم سيُظلم غدًا،
وأن ميزان السماء لا يخطئ أبدًا.
قال تعالى:
“ويلٌ للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون”.
وفي الحديث الشريف:
“إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا.”
هؤلاء الذين “يبيعون الأحلام” ويُتاجرون بالأكاذيب، يمارسون الغش بثقةٍ مقيتة، ويتحدثون بالكذب ببرودٍ وقسوة، كأنهم يمتلكون مفاتيح الحقيقة! يظنون أن الحياة صفقة يمكن فيها خداع الجميع، لكن الأيام كفيلة بأن تفضحهم، والحق مهما تأخر لا يموت.
يا من تظن أن تشويه غيرك يرفعك، تذكّر أن السمعة تُبنى بالصدق لا بالافتراء، وأن كل كلمة ظلم ستُكتب، وكل أذى ستُسأل عنه يوم لا ينفع مالٌ ولا جاه.
الجزاء آتٍ ولو بعد حين…
قد تخدع الناس جميعًا، لكنك لن تخدع ضميرك ولا ربك.
وقد ترتفع لحظات بأكاذيبك، لكن سقوطك سيكون موجعًا ومهينًا، لأن ما بُني على الغش لا يصمد، وما تأسس على الظلم لا يثمر.
احذروا من أن تكونوا سيوفًا تطعن في ظهور الصادقين، أو ألسنة تلوّث سمعة المخلصين. فالله يمهل ولا يُهمل، والعدالة الإلهية تأتي حين يظنّ الظالم أنه نجا.
وفي النهاية، سيبقى الصادقون ولو تعبوا،
وسيسقط الكاذبون ولو لمعوا.
لأن الله وعد فقال:
“أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.




