مقالات

العمر الحقيقى بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة

متمرد ومثلى لا يعترف
أنى أحبك لكن حروف قلبى تبوح. اكتب وكم عانيت ألم الجوى و وكم سمى فؤادى المذبوح. أهواك يا عمرى وقلبى فى هواك لحوح. سأظل أكتب عن ذاتى، ذكرياتى سيظل على أوراقى الفؤاد ينوح. وسيبقى قلبى لربى بالدعاء لحوح. فما بينى وبين ربى ليس له حدود وكيف لا أكون فى كرم الرحيم طموح؟!
أكتب لأنى أعلم أن للكلمات نغم على أوتار القلوب كما أن لها رائحة تفوح. فما أجمل لحظاتى حين ألتقينا صدفة.

تلاقينا وعشقتُ الصمتَ في خجلها ، وإن حكت ففي صوتها إنشاد . كم عشقتُ الوطن في عينِها، وإن هجرتْ ففي رائحتها رائحة الأجداد. تلاقينا وكأن اللقاء صُدفةً بميعاد. في سُنة الحب ودستور العاشقين كان لقاؤنا .. ليلةٌ اجملُ من ليلةِ الميلاد. عشقتُ البعدَ في شوقها، وإن قربتْ ففي وصلها أمجاد. عشقتُ اللقاء في قلبها، وإن غادرت ففي قلبي ألف ميعاد. وبت أسال نفسى عن عمرى الحقيقى فغيابها لى يوم حداد. فبوجودها أرتوى وأجد فيها الزاد.

عمرى هو لحظات السعادة التى أستمتعت بها، وهو سنوات الإستبداد والاجهاد. فلمن منهما أكن شاكرًا… للحظات أم للسنوات؟ لمن أسعدني أم لمن علمنى الحكمة والنضج؟

“العمر الحقيقي”… العمر الحقيقي ليس رقم في البطاقة، ولا هو الشعر الأبيض أو التجاعيد على وجهى. العمر الحقيقي هو عدد المرات التى أتكسرت فيها روحى ولملمت جرحى خشية أن يلحظه أحد فيشمت بى أو يشفق عليٓ. هي الليالي التى نمت فيها وأنا موجوع ولم أحكي، فلا أحد يعى ما بى أو يدركه. هو اللحظة التى أكتشفت فيها أن أقرب ناس ليٓ، هم أكثر ناس سببوا لى ألم.

العمر الحقيقي هو عدد الصدمات التى مررت بها. كل صدمة كبرتنى سنين، العمر الحقيقى هى كل مرة أنتظرت فيها طبطبه ولم تأتى، جبر خاطر لكن حصدت كسر ووجع. كل مرة أنتظرت فيها السند وخاب ظنى.

العمر الحقيقى هو كل لحظة فراق. والفراق ليس فراق الموت فقط، بل هو فراق من تركنى وأنا فى أشد الاحتياج إليه، من تغير ومن باع دون داع.
العمر الحقيقي هو الخذلان
لأن الخذلان لا يكسر القلب فقط، لكنه يكسر نظرتك للدنيا وثقتك ببراءتك. هو اللحظة التى فهمت فيها
أن الطيبة بمفردها لا تكفي لكى أعيش بأمان، بل قد تكون طيبتى سر شقائى. كم من قيمة وهبناها لمن لم يقدروها! كل تجربة عشتها وقرار أخذته إجبارًا هو ده عمرى الحقيقى.

كل شخص أتصدمت فيه وكل طريق أُجبرت عليه ومشيته يخبروك أن ده عمرى الحقيقى.
كل مرة قولت”مش هزعل”
وزعلت، “مش هتأثر” وتأثرت. العمر الحقيقي
هو الهدوء الذى جاء بعد التعب، ليس لأنى أشعر بالراحة، لكن لأنى تعبت من الشرح وتعبت من العتاب
وتعبت من أنى أبرر وجعى.

هو اللحظة التي أجد نفسى اريد ولا أطلب، هى الوقت الذى لا أنتظر فيه أحد، هو الوقت الذى أضحك فيه لكن بداخلى صمت وظلام. ضحكة تستر احتياجنا من عيون البشر.
العمر الحقيقي هو أنك أصبحت فاهم، وغير مندفع، هادىء، وليس ضعيف، حاسس، ولست ساذج.
مررت بفواجع، تحملت، أتصدمت، فيه ناس كبرت في الوجع، وفيه ناس كبرت في الفهم، وفيه ناس كبرت لأن الحياة كانت قاسية. أنا إن كنت كبير فأنا كبير الروح وليس كبير سن … فأنا ما زلت أقف وأواجه الأزمات.

ولو كلامى لمس قلبك
أعرف أنك كبرت بعد قراءة مقالى هذا لأنك عرفت نفسك وعرفت أنك لست شخص قليل القيمة أو قليل الحيلة أنت كنز، ملىء بخبرات الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى