مقالات

العالم الثالث ليس تصنيفًا أقتصاديًا بل سلوكا أجتماعيًا

بقلم الإعلامية نور صبحي

لطالما تساءلتُ: لماذا يُطلق على شعوبنا مصطلح العالم الثالث، بينما تُصنَّف شعوب أخرى على أنها العالم الأول، رغم أن حضاراتنا كانت الأساس الذي بُنيت عليه حضارات العالم بأسره؟
الحقيقة المؤلمة أن المشكلة لا تكمن في التاريخ ولا في الإمكانيات، بل في سلوكياتنا الحالية، وفي الجرائم المعنوية التي نرتكبها في حق أنفسنا وفي حق بعضنا البعض.

من خلال خبرتي في الحياة، وصلت إلى قناعة واضحة:
عندما تحارب لتصل إلى النجاح أو تحاول الصعود إلى القمة، فإن من يدعمك ويصفق لك في كثير من الأحيان هم الآخرون، لا أبناء جلدتك.
في المجتمعات الغربية، إذا حاولت تعلم لغتهم، ستجدهم فخورين بك، داعمين لك من القلب. وإن حلمت بمنصب أو دور مؤثر في مجتمعهم، سيمنحونك الفرصة والدعم، لأنهم يؤمنون بأن الطموح قوة وليس تهديدًا.

أما في بلادنا العربية – للأسف – فالمشهد مختلف تمامًا.
فالنجاح يُقابَل بالهجوم، والطموح يُواجَه بالتقليل، والإنجاز يتحول إلى مادة للسخرية والتشكيك. بدل أن نرفع الناجح، نحاول إسقاطه، وبدل أن نفخر به، نبحث عن أخطائه.

وأقرب مثال واضح هو محمد صلاح، الأيقونة المصرية والعالمية، الذي يتعرض لهجوم وانتقادات من بعض أبناء وطنه والعالم العربي، بينما نجد أن من يدافع عنه ويفتخر به هم جماهيره في إنجلترا.
نجاحه هناك مصدر فخر، وهنا يتحول إلى جدل ونقد لا ينتهي.

ومن هنا أنتقل إلى تجربتي الشخصية، لا من باب التفاخر، بل من باب توضيح الفكرة.
بوصفي الإعلامية المصرية الوحيدة التي قامت بتقديم برنامج بثلاث لغات عن حياة الوزراء وأعضاء البرلمان الكنديين، اخترت الطريق الأصعب، طريق التحدي الحقيقي، في وقت فضّل فيه كثيرون البقاء في مناطق الراحة والابتعاد عن التجارب الصعبة.

هذا البرنامج لم يكن مجرد ظهور إعلامي، بل كان جسرًا للتواصل الثقافي والاندماج المجتمعي، وهو ما جعلني أحظى بتكريم من مؤسسات حكومية كندية تقديرًا لتفاعلي الإيجابي داخل المجتمع الكندي.
وقد حصلت على ميداليات وشهادات تكريم في حضور نخبة من أهم كوادر المجتمع الكندي، من بينهم كولونيل في الجيش الكندي، ومسؤولون من مكتب رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو، وكذلك من مكتب رئيس الوزراء الحالي كارني.

كما أنني كنت أول مصرية أشارك باسم مصر في المهرجان الأفريقي السنوي بمدينة مونتريال، حيث مثّلت وطني بما يليق بتاريخه ومكانته، في حدث دولي يحتفي بالثقافات الأفريقية ويعكس صورة مصر الحضارية أمام العالم.

وتم اختياري كذلك لأكون أول مصرية تشغل منصب مستشارة علاقات عامة في نادي روتاري الدولي، وهو اختيار يعكس الثقة في الكفاءة والقدرة على تمثيل الجاليات والتواصل مع المؤسسات الدولية باحترافية ومسؤولية.

إلى جانب ذلك، أنا حاصلة على العديد من الشهادات المتخصصة في مجالات الصحافة والتنمية البشرية، وتم تكريمي من هيئات حكومية داخل مصر، إضافة إلى تكريمي بلقب سفيرة المرأة المصرية في الخارج، فضلًا عن العديد من الإنجازات الأخرى التي يصعب حصرها، لأنها لم تكن ألقابًا فقط، بل ثمرة عمل مستمر واجتهاد حقيقي.

ورغم كل هذه النجاحات التي رُفعت فيها راية مصر في محافل دولية، كان الهجوم والنقد القاسي من بعض إخوتنا العرب حاضرًا بقوة، دون النظر إلى حجم هذه الإنجازات أو قيمتها.
التركيز دائمًا يكون على النقد تحت مسمى “حرية الرأي”، بينما الحقيقة أن حرية الرأي لا تعني الهدم ولا التشويه، بل تعني النقد البنّاء لا تحطيم الرموز.

ومن وجهة نظري، فإن وصف العالم الثالث لا يرتبط بالفقر أو ضعف الموارد، بل بثقافة محاربة النجاح، وتدمير كل رمز ناجح لمجرد أنه نجح.
هي ثقافة ترفض الاختلاف، وتخشى التفوق، وتحارب كل من يحاول أن يصنع أثرًا حقيقيًا.

لن تتغير هذه الصورة إلا عندما تتحلى الشعوب بالأخلاق النبيلة، وتتعلم حب النجاح للغير، وتؤمن بأن نجاح شخص لا يعني فشل غيره.
الدعم المعنوي والنفسي ليس رفاهية، بل هو أساس بناء الأمم، وهو ما نجحت فيه المجتمعات المتقدمة، بينما ما زلنا نحن نستهين به.

عندما نتعلم أن نصفق لبعضنا البعض، ونفخر بناجحينا، ونحوّل النقد من أداة هدم إلى وسيلة بناء، عندها فقط نستحق أن نُنظر إلينا بنظرة مختلفة…
وعندها فقط، نخرج من دائرة العالم الثالث إلى عالم يليق بتاريخنا، وحضارتنا، وإنسانيتنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى