مقالات

أتمتة العواطف.. بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة

حبيبتى هى امرأة يصحو على ابتسامة ثغرها الكلام. هى ليست ككل النساء، هى نسيم يسرى فى الهواء. هى نجمة فى عتمة الأيام.حبيبتى دعيني أراك كما أريد وأشتهــي، دعيني أعيش فيك حلماً لا ينتهــي، “أحبيني بطريقة جنونيه، فأنت بين النساء حورية.

أحبك وحبك قاتلي، سأكتب عنك يا حسناء، فجمالك يختصر كل النساء، نجمة أنت تلمع في السماء، قمرا ينير الليالي العتماء”. في بحر عينيك سأطلق سفينتي وأرفع الرايات
يعرّف نزار قباني الحبّ بقوله: “هو المسامات التي تساعد الإنسان على التّخلّص من انفجاراته وأفكاره ومشاعره وارتفاع منسوب المياه الجوفيّة في أعماقه. والحبّ واحد من أهمّ تفاصيل الحياة التي نحبّ أن نقرأ أو نكتب عنها، لأنّه أرقى وأخلص المشاعر الإنسانيّة.

كما عبّر محمود درويش عن الحب بكونه عاطفة معقدة ومتناقضة، لا يمكن حصرها في فكرة واحدة. يصف الحب بأنه عاطفة تسخن وتبرد، تأتي وتذهب، وتتجسد في شكل ملاك أو ثور أو عاصفة مدمرة. ويرى أن الحب الحقيقي هو ما يتم عيشه بدلاً من تذكره، وأن الحب لا يُنسى بل يدفنه الحب الحقيقي حيًا.

ويخاطب ﻤﺤﻤﻮﺩ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ “ﺭﻳﺘﺎ” : “ﺇﻧﻲ ﺃُﺣﺒﻚ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻒ ﻗﺒﻴﻠﺘﻲ ﻭﻣﺪﻳﻨﺘﻲ ﻭﺳﻼﺳﻞ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ، ﻟﻜﻨﻲ ﺃﺧﺸﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻌﺖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﺒﻴﻌﻴﻨﻲ ﻓﺄﻋﻮﺩ بالخيبات”.
قيل لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أتقول الشعر في فقهك وورعك، فقال: لا بد للمصدور أن ينفث، وكان عبيد الله من وجوه الفقهاء الذين رُوِيَ عنهم الفقه والحديث، وهو أحدُ الفقهاء السبعة من أهل المدينة.

إن الأبيات القلائل التي نقلها الرواةُ إلينا من شعر عبيد الله لَتُحدث عن صبابة وتسفر عن غرام، ولو أن الرجل أوتي من قوة الإرادة وشجاعة الفؤاد ما يشرح به هواه ويمثل به خواطره لَكان له من المواقف الحِسان والمشاهد المبجلة ما يضمن له الخلود في الشعر الوجداني من عالم الآداب.

يقول الأديب الإنجليزى ويليام شكسبير:” تكلّم هامسًا، عندما تتكلّم عن الحب”، عبارةٌ تختزل المعنى “القُدسي” للحب، وما يجب أن نُبديه من احترامٍ وإجلال ونحن نتكلّم عن هذا السرّ الروحانى الربانى الذي تقوم عليه الحياة وبه تكتمل معانيها الحقيقيّة.. ولو أنّنا قمنا بالقياس الكمّي لأهمّ الموضوعات التي شغلت الآدابَ والفنون في مختلف الثقافات الإنسانية عبر كلّ العصور، لَوجدنا أنّ الحبّ يستأثر بـ “الكميّة” الأكبر على الإطلاق.

“أدب الحب” هو كتابات لا تحصى فى أمّهات الكتب في التراث العربي والعالمى. ورغم أنّ بعض تلك الكتابات تناولت الحبَّ من زوايا فلسفية مثل: “رسالة العشق” للفيلسوف الطبيب “ابن سينا”، وهي رسالة صغيرة الحجم لا تكاد أوراقها تتجاوز العشر ورقات، تكلّم فيها “ابن سينا” عن ماهيّة العشق بمعناه العام الذي يقوم على “الجاذبيّة والانجذاب”، وقال بأنَّ العشق موجود في: الحيوانات والنّباتات والمعدنيات.. إضافة إلى الإنسان، حيث تكلّم عن نماذج من العشق لدى الشباب وتعلّقهم بالجمال الجسدي، كما تكلّم عن “العشق الإلهي”..

ومِمّن ألّف في الحبّ، نذكر: “ابن السراج في كتابه “مصارع العشاق”، “التميمي” في كتابه “امتزاج الأرواح”، “ابن حجلة” في كتابه “ديوان الصبابة”، “ابن قيم الجوزية” في كتابه “روضة المحبّين” الذي أحصى فيه خمسين اسمًا للمحبّة في اللغة العربية، وقال: “إنَّ العالم العلوي والسّفلي، إنّما وُجِدا بالمحبّة”. وقد انفرد “ابن حزم الأندلسي” عن كل الذين كتبوا في الحبّ بكتابه “طوق الحمامة”، حيث جعل للحب مراتب ودرجات، ولكل مرتبة ودرجة توصيفها ومعناها..

الحبُّ العربي له تاريخه وأدبه ، فما هو واقعه في عصر الأنترنت؟ الأنترنت غيّر العادات اليوميّة للأفراد، وفي تقاليد المجتمعات.. وانتقلنا من عصر المناديل المنسوجة التي تُغسل وتُنشر وتعيش عمرًا، إلى مناديل الورق التي تُرمى بعد أوّل “شهقة”! وأصبح الحظر نهاية اغلب قصص الحب عبر الأنترنت بمنتهى البساطه. انتقلنا من الأزهار الطبيعيّة الفوّاحة بالأريج، إلى الأزهار البلاستيكية التي لا روح فيها. تطبيقات الأنترنت قدمت التواصل بالكتابة والصوت والصورة مما “اغتال” عواطف الاشتياق والحنين واللوعة بين المتحابّين..

هذه القضية الخطيرة التي لا تتعلّق بالحب في زمن الأنترنت فحسب، بل هي تتعلّق بمستقبل العواطف الإنسانيّة في عصر يتوجّه فيه العالم إلى أتمتة هذه العواطف( استخدام التكنولوجيا والبرامج لتنفيذ المهام والعمليات تلقائيًا بأقل تدخل بشري )، فقد تم تحويل الإنسان إلى كائن مُبرمَج عاطفيًّا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى