مقالات

مراهقين يحاكون مشاهد “البلطجة” كأنها بطولة

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام

تدنت الأخلاق بسبب العنف في الأفلام العربية فلم يعد الفن مجرد وسيلة للترفيه أو المتعة البصرية، بل أصبح أحد أقوى الأدوات المؤثرة في تشكيل وعي وسلوك الأفراد، خاصة الأجيال الجديدة. وعلى الرغم من أن السينما العربية كانت في زمن مضى مدرسة للقيم والأخلاق، تقدم القدوة وتزرع المبادئ، إلا أن موجة من العنف المبالغ فيه تسللت إلى شاشاتنا، لتزرع بذورًا من القسوة والانحدار الأخلاقي في وجدان المشاهدين.

صناعة العنف على الشاشة

في السنوات الأخيرة، ازداد اعتماد بعض صناع السينما والدراما على مشاهد الدماء، إطلاق النار، الألفاظ السوقية، والبلطجة، باعتبارها عناصر جذب للجمهور. فبدلًا من أن يكون البطل قدوة في التضحية والصدق والشجاعة، أصبح رمزًا للتحدي السلبي، وحلّ العنف محل الحوار كوسيلة لحل الأزمات.

أثر العنف على المجتمع

الدراسات النفسية تؤكد أن تكرار مشاهدة مشاهد القتل والدمار يؤدي إلى تطبيع العنف في عقول المشاهدين، فيصبح من المألوف الرد باليد بدلًا من العقل. وهنا يبدأ الخطر الحقيقي: شباب يقلدون ما يرونه على الشاشة في الشارع والمدرسة، لتنتشر ألفاظ خارجة، سلوكيات متهورة، وتراجع ملحوظ في القيم الاجتماعية.

تدني الأخلاق بين الأجيال

لم يعد مستغربًا أن نرى أطفالًا يتحدثون بعبارات بذيئة التقطوها من فيلم أو مسلسل، أو مراهقين يحاكون مشاهد “البلطجة” وكأنها بطولة. وهكذا تتراجع قيمة الاحترام، التسامح، والحوار أمام هيمنة مشاهد السباب والضرب والإجرام، ما ينعكس على أخلاق المجتمع كله.

غياب الدور الرقابي

رغم أن هناك جهات رقابية يفترض أن تمنع هذه المشاهد المدمرة، إلا أن الكثير منها يتسلل تحت شعار “حرية الإبداع” غير أن الحرية الحقيقية لا تعني هدم القيم، بل الإبداع الذي ينهض بالوجدان ويعكس الواقع بصورة بنّاءة، لا صورة تبرر الانحراف وتطبع الفساد.

نحو فن هادف

السينما العربية تمتلك تاريخًا طويلًا من الأعمال التي حفرت في ذاكرة الشعوب: أفلام رسخت قيم التضحية من أجل الوطن، دراما بثت معاني الحب والإخلاص. المطلوب اليوم هو العودة لهذا الطريق، وتقديم فن هادف يحارب العنف بدلًا من تمجيده، ويزرع في قلوب الشباب أن الرجولة ليست في رفع السلاح أو اليد، بل في قوة العقل وسمو الأخلاق.

الأفلام العربية لم تعد مجرد مرآة للمجتمع، بل صارت أداة لصناعة واقع جديد. وإذا لم يتدارك الفن مسؤوليته الأخلاقية، فسيظل العنف على الشاشة يغذي العنف في الشارع، وتتدهور الأخلاق أكثر فأكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى