ذكرى جدتي العطرة.. بقلم د/ مها علي دليور

ذكريات جدتي لن تمحى من ذاكرتي مهما طال بي العمر، مواقفها الطيبة معي لن تنتهي مهما جلست شهورا أرويها، كانت حنونة وفياضة المشاعر، تبادر أحفادها بالحب والعطاء، تجمعنا حولها في آخر اليوم وتحكي لنا قصصا خرافية مثيرة تشحذ بها انتباهنا، ورغم أميتها إلا أن لها سياسة في المعاملة معنا تجمع بين التربية الحازمة والحنان والدلال واللعب، كل نظرة من عينها تحمل معنى يناسب الموقف، وتحدثك وهي لم تهمس ببنت شفة، نظرة العتاب تختلف عن نظرة الشوق ولها نظرة الغبطة والرضا، ونظرة الحنان التي تجعلني ألقي نفسي بين أحضانها فورا بدون أن تناديني، رحمها الله؛ لها صورة في ساحة بيتنا كلما نظرت إليها أشعر أنها تحدثني، ولو كنت مشغولة بأمر تطمئنني، ولو كنت حزينة تواسيني، هذه من صورتها فقط فما بال عندما كانت بيننا بجسدها؟
كنت أنا الأقرب لها عن باقي الأحفاد، كانت تقربني منها وتميزني وتختصني بأشياء وتشتري لي هدايا سرا، وكانت تعاملني بأسلوب راق و بحساب حتى لا ترى دموعي، كانت تحبني وتستأنس بجلوسي معها و ترتاح في التحدث معي.
كانت تصنع لي بالطعام والشاي بنفسها عندما كنت مشغولة بالمذاكرة، وكانت تكافئني بهدايا في نهاية كل عام دراسي.
كانت أيامها مليئة بالدفء والحب، افتقدناه عندما تركتنا ورحلت، رائحتها التي كانت تملأ المكان كانت تبعث السكينة في نفسي، فقدنا الأنس بعد رحيلها، خسرنا الضحكة الصافية و الجلسة التلقائية، خسرتها حياتنا وتحولت إلى حياة قاسية عملية ليس لها معنى وطعم، إلا من صورتها المعلقة التي تعيدني سنينا للوراء أسترجع كل هذا الحنين والشعور الذي أصبح مجرد ذكرى، ولن أتخلى عنها مهما طال بي الزمن، ذكرى جدتي العطرة.
بقلمي د/ مها علي دليور