من القلب.. “شاي وقهوة” بقلم د/ مها علي دليور

*قديما عندما كنا صغارا؛ كانت تمر علينا السنة الدراسية بأكملها و لا نذاكر شيئا، ويتملكنا الكسل والملل وفقدان الشغف وحالة من التبلد وصعوبة الاستذكار والحفظ، وقبل الامتحانات بأسبوع ننجز كل المواد ونستوعب كل الدروس بهمة ونشاط، ويحركنا دافع ما لننهي كل مسئولياتنا، و لا تغمض لنا عين إلا مع انتهاء آخر امتحان، و هذا الدافع بالتأكيد هو دافع الرغبة في النجاح و الخوف من الرسوب.
بعد أن كان النوم يطبق على أجفاني و أشرب أطنانا من الشاي و القهوة أو أحيانا يكون خليط بينهما، تبدل الحال و اعتكفت على إنهاء مشروع تخرجي و هجرت الطعام و النوم إلا بعض رشفات من الماء حتى سلمته للاستاذ الجامعي في الموعد تماما.
كل ما سبق أصبح ذكرى تزورنا من حين لآخر فنفخر بأنفسنا للحظات، ثم نعود لحياتنا الرتيبة مرة أخرى؛ من النهوض صباحا متكاسلين و فاقدين لحيوية الحياة، مرورا بيوم راح هباء في وظيفة حكومية و مسئوليات حياتية، إلى جسد منخار القوى ملقًى على الفراش حتى بعد شرب “كوب الشاي المحترم”، ثم نستيقظ اليوم التالي لندور في نفس الدائرة مرة أخرى، وهكذا تمضي الحياة وتنتهي بحسرة وأحلام ظلت مجرد أحلام وآمال لم تتجرأ على ترك مضجعها لتتجسد على أرض الواقع، ويظل التساؤل الذي يراودنا دائما، بلا إجابة وهو؛ ” أين أيام زمان؟”
ولأننا جعلناه سؤالا تقريريا بلا إجابة فمن الطبيعي أن نسد كل طرق العودة لأيام زمان، أيام الروح الشبابية الخفيفة وأيام الانجازات و أيام خوض اي شيء بلا خوف من فشل، بل وضعنا أنفسنا في قالب لا يصح الخروج منه، وإلا…. سنزعزع استقرار حياتنا و نتعرض للهجوم و الانتقاض، ووضعنا لأحلامنا عوائق العمر و الحالة الاجتماعية والاقتصادية.
ولمعرفة سبب الفجوة العظيمة بين أيام زمان و أيام الآن؛ تخيل أننا نشاهد فيلم تلفزيوني بعنوان “حياتنا بين الماضي والحاضر” ونتابع الأحداث بدقة ونقارن بين أحوالنا في كلا الزمنين، سنجد أن ما كان يحركنا هو الدافع، دافع الخوف أو دافع الرغبة ثم بعد ذلك الحالة النفسية و الجسدية عندما كنا في مقتبل العمر أو في عمر الزهور؛ حيث رؤيتنا للحياة مختلفة؛ ففي الماضي نرى أنه ما زال العمر طويلا أمامنا و عندنا الكثير من الأحلام لتحقيقها من تعليم وتطوير للذات و وظيفة وزواج… إلخ، وبعد تحقيق كل هذا…..!
تصيبنا حالة من الاكتفاء الذاتي و التعفف عن تحقيق باقي الأحلام، على اعتبار أننا وصلنا إلى ما يجعلنا سعداء و نقنع أنفسنا أن هذا يكفي فلا داعي للطمع، ونردد حكمة “الطمع قل ما جمع”.
وفي لحطة من العمر يصيبنا الملل… و تأتي تلك الأحلام تطرق باب عقلنا النائم وتذكرنا بنفسها فننظر إليها من بعيد وبحسرة، ونخشى الاقتراب منها حرصا على استقرار حياتنا، فنختار أن نتاجهلها ونعيش على ذكراها، ونلعن إنجازاتنا السابقة التي عطلتنا عن تحقيق تلك الأحلام حين اكتفينا بها.
هذا هو مختصر حياتنا و مشكلات مرحلة اليأس وفقدان الشغف التي نمر بها…. والحل؛ عندما تظهر احلام الماضي في أبهى صورها أمام اعيننا ونحن في أضعف حالتنا من تكاسل و فقدان شغف و رتابة و ملل، فما علينا فقط هو عدم الربط بين أيام زمان و حاضرنا المعاصر و عدم المقارنة بينهما، فكل مرحلة لها عيوبها قبل مزاياها، والخطوة التالية هي هدم كل العوائق التي يبنيها عقلنا من الكسل و الخوف و الخجل ليبعدنا عن تحقيق الأحلام، والاحتفاظ بمنطقة الراحة التي ركن إليها وشعر بالأمان فيها، ثم نبدأ…..
نعم؛ القوة في البداية و العصا السحرية تعمل فقط عند وضع القدم الأولى، وبعدها نقوم بصحصحة العقل النائم منذ سنين، و تنظيمه بالتخطيط و التفريق بين الأحلام والمسئوليات ثم بعد ذلك تأتي حلقة الوصل و كلمة السر لتحقيق الأحلام وهي الاستمرارية، فهي الجسر بين الفكرة و الوصول إليها.
وأهم شيء قبل البداية أن لا تفقد الثقة بنفسك وتمنى لها التوفيق و ارسم لها صورة مستقبلية تسعى إليها وسر في طريقك، وكرر المحاولة مرارا دون ملل و ستجد نفسك في أحدها ولا تيأس..
د/ مها علي دليور