شعر وأدب

حكاية العالم السفلى.. حكاية 30

كتب إيهاب همام
العجوز المنحنية

…لم تكن تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها تلك العجوز المنحنية الظهر ذات الشعر الابيض والرداء الأسود تذهب إلى المقبرة بعد منتصف الليل ، كنت دائما أتساءل ماذا تفعل هناك لم يخطر ببالي أن أسأل أبي أو أمي فقد كنت أظن أنها تذهب لزيارة أحد أقاربها أو أولادها ، لقد كان قلبي ينفطر على تلك العجوز ف بالتأكيد ليس لها أحد في هذه الدنيا سوى هذا الفقيد ، لقد كان منزلنا متطرف عن القرية ويمر من جانبه الطريق المؤدية إلى المقبرة ، وتطل نافذة غرفتي على ذلك الطريق ، وفي يوم من الشتاء الباردة كنت أذاكر للإمتحان فأنا في السنة الثانية الإعدادية فإذا بصوت خطوات على الطريق نظرت من النافذة فإذا بتلك العجوز تسير بهدوء إلى المقبرة وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر ليلا وقد كان الطقس شديد البرودة فقلت في نفسي سأذهب اليوم وتساعد العجوز وأقوم بمواساتها لعلي أخفف من أحزانها وأعود بها إلى المنزل ، تراجعت لبرهة وقد شعرت بالخوف فلقد كان الظلام دامس والرياح شديدة ولكني قلت إن العجوز لم تخف من المعيب أن أخاف أنا فيجب علي أن أكون شجاعا وأن أنقذ العجوز من هذه الأحزان وأن أعوضها عن فقيدها ، فارتديت معطفي وأخذت معي مصباح وقفزت من النافذة لكي لا يراني أهلي ولحقت بالعجوز بسرعة ولكني تأخرت بالتأكيد أنها وصلت إلى المقبرة فركضت مسرعا إلى المقبرة وكان حفيف الأشجار مخيف جدا فلقد كانت الأشجار على طرفي الطريق لم أخف بالبداية لاني ظننت أني سأجد العجوز ، وصلت منتصف الطريق ولم أجدها فشعرت بالخوف الشديد وهممت بالرجوع ولكن المقبرة أصبحت قريبة جدا وأقرب من منزلي فركضت مرة أخرى مسرعا نحو المقبرة لعلي أجد تلك العجوز اللعينة فقد بدأت ركبي ترتجف وكانت القبور وكأنها تنظر ألي بدأت أتخيل أشكال غريبة ومخيفة فنزلت دموعي لوحدها دون أن أشعر ولم أعد أستطيع أن أحرك قدمي ولا لساني وبدأت وكأني أسمع أصوات فبدأت أصرخ في داخلي أبي أمي أين أنتما وإذا بضوء خافت في منتصف المقبرة إنها العجوز إنها العجوز فعادت ابتسامة خفيفة جدا إلى وجهي.

وبدأت أجر قدماي إلى مصدر الضوء وعيناي ثابتتان إليه دون أن أنظر حولي ودون أن أستمع للأصوات من حولي وبدأت أتخيل وجه تلك العجوز وقد أصبحت لدي كالفارس المنقذ كانت خطواتي ثقيلة فقط أريد الوصول لكي أرتمي في حضن العجوز وأبكي ، ولكن توقفت للحظة عندما رأيت التراب يتحرك حول العجوز والهجوم تدمدم بكلمات غريبة ولقد كان القبر لفتاة توفيت اليوم وقد تم دفنها قبيل غروب الشمس فاختبئت خلف قبر قبل وصولي للعجوز بقبرين وكنت مندهش لما يحدث فلقد كان الترب يتحرك من فوق القبر لوحده وكان القبر يفتح لوحدها وكان هناك أصوات خافتة ولكنها غريبة والعجوز منهمكة في الكلام وكانت ترش أشياء فوق القبر فتصاعد الغبار وخرج التراب.

وكانت صدمتي الكبرى عندما خرجت الفتاة من القبر وكانت تطير في الجو لوحدها كان قلبي يرتجف وشفتاي تتلعثم وانا أمسك بالقبر بكل ما أوتيت من قوة وإذا بالعجوز تخرج سكينا وتقترب من الفتاة فقصت الكفن من جهة خاصرة الفتاة وضربت الفتاة بالسكين وضحكت ضحكة طويلة وقوية تقطعت أوصالي من هولها فسالت دماء الفتاة وتحرك الترب وكأنه يشكل عاصفة والعجوز لا زالت تضحك وإذا بها تدخل يدها داخل خاصرة الفتاة فلم أعد أستطيع الوقوف فجثوت على الأرض وإذا بحجر صغير ينحدر من جانبي وأصدر صوتا فنظرت إلى العجوز خوفا من أن تكون قد سمعت الصوت وإذا بها تنظر باتجاهي وقد أحمرت عيناها وطال أنفها وأسود وجهها فلقد كانت أعينها تقدح شر وإذا بها تنظر إلي وتشير بإتجاهي وتضحك بشششدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى