شعر وأدب
قطعة سكر.. بقلم رضا العزايزة

ظَلَّتْ تَجْرِي مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ، أَمَلًا فِي الْحِفَاظِ عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ. تَتَسَابَقُ مَعَ الرِّيحِ، وَكُلَّمَا تَأَذَّتْ مِنْ أَشْوَاكِ الْأَيَّامِ، كَانَتْ تَقُولُ: “مَعِي قِطْعَةُ سُكَّرٍ”.
- سَأَلَتْهَا الْأَهْوَالُ: “مَا الَّذِي فِي قَبْضَةِ يَدِكِ؟ وَلِمَا كُلُّ هَذَا الْإِحْكَامِ عَلَيْهَا؟”
- قَالَتْ لَهَا: “لَا شَأْنَ لَكِ بِي”.
ضَحِكَتِ الْأَهْوَالُ عَلَيْهَا سَاخِرَةً،
وَقَالَتْ لَهَا: “أَتَظُنِّينَ أَنَّهَا سَتَظَلُّ مَعَكِ مَعَ كُلِّ الْجَرْيِ وَالْهُرُوبِ وَالْهَرْوَلَةِ؟”
لَمْ تَكْتَرِثِ الْفَتَاةُ لِكَلَامِ الْأَهْوَالِ، أَكْمَلَتِ السَّعْيَ، وَلَازَالَتْ قَابِضَةً عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ.
فِي الطَّرِيقِ، كَانَتِ الشَّمْسُ شَدِيدَةَ الْحَرَارَةِ وَمُشَاكِسَةً.
قَالَتْ لِلْفَتَاةِ: “هَلْ سَتَظَلُّ مَعَكِ؟”
قَالَتْ لَهَا: “عَمَّ تَتَحَدَّثِينَ؟”
قَالَتِ الشَّمْسُ: “قِطْعَةُ السُّكَّرِ.”
رَدَّتِ الْفَتَاةُ غَاضِبَةً: “وَمَا أَدْرَاكِ أَنْتِ بِمَا فِي يَدِي؟”
قَالَتِ الشَّمْسُ: “الْأَهْوَالُ أَفْشَتْ سِرَّكِ.”
قَالَتِ الْفَتَاةُ: “تَبًّا لَكِ وَلَهَا”.
قَالَتِ الشَّمْسُ ضَاحِكَةً: “أَمَامَكِ الْبَحْرُ! أَرِينَا كَيْفَ سَتَحْتَفِظِينَ بِقِطْعَةِ السُّكَّرِ مَعَكِ.”
- وَقَفَتِ الْفَتَاةُ أَمَامَ الْبَحْرِ حَائِرَةً.
إِلَى أَنْ رَأَتْ قَارِبًا، رَكِبَتْ لِلْوُصُولِ لِلْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ لَازَالَتْ قَابِضَةً عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ.
وَاسْتَرَاحَتْ بِجِوَارِ شَجَرَةٍ، وَخَشِيَتْ أَنْ تَنَامَ حَتَّى لَا يَشُمَّ النَّمْلُ رَائِحَةَ السُّكَّرِ.
قَامَتْ مُسْرِعَةً لِتَسْأَلَ الْبُسْتَانِيَّ: “ا؟ مَا هَذَا الطَّنِينُ؟”
قَالَ لَهَا: “يُوجَدُ هُنَا مَزْرَعَةُ نَحْلٍ قَرِيبَةٌ مِنَ الْحَدِيقَةِ”.
خَشِيَتِ الْفَتَاةُ عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ مِنَ النَّحْلِ، وَأَسْرَعَتْ مُهَرْوِلَةً بَعِيدًا عَنِ الْحَدِيقَةِ، وَأَخَذَتْ طَرِيقَ الشَّاطِئِ.
لَكِنَّهَا كَانَتْ مُتْعَبَةً مِنْ شِدَّةِ قَبْضَتِهَا عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ.
وَجَدَتْ سَيِّدَةً كَبِيرَةً عَلَى الشَّاطِئِ، فَقَامَتِ السَّيِّدَةُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهَا،
وَقَالَتْ لَهَا: “مَا بِكِ يَا صَغِيرَتِي؟ هَلْ تُرِيدِينَ بَعْضَ الْمَاءِ؟”
قَالَتْ لَهَا: “لَا”.
قَالَتْ لَهَا السَّيِّدَةُ الْكَبِيرَةُ: “مَا الَّذِي يَتَسَرَّبُ مِنْ يَدِكِ هَذَا؟”
فَجْأَةً، بَكَتِ الْفَتَاةُ وَقَالَتْ لَهَا: “خَسِرْتُ قِطْعَةَ السُّكَّرِ رَغْمَ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا طَوَالَ الرِّحْلَةِ.”
قَالَتْ لَهَا السَّيِّدَةُ الْكَبِيرَةُ: “وَلِمَ لَمْ تَسْتَمْتِعِي بِهَا مُنْذُ بِدَايَةِ الطَّرِيقِ؟ وَلِمَاذَا قَبَضْتِ عَلَيْهَا هَكَذَا حَتَّى خَسِرْتِيهَا؟”
قَالَتِ الْفَتَاةُ: “كُنْتُ أَنْتَظِرُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَالظُّرُوفَ الْجَيِّدَةَ.”
قَالَتْ لَهَا السَّيِّدَةُ الْكَبِيرَةُ: “هَوِّنِي عَليكِ يَا حَبِيبَتِي
الْأَشْيَاءُ الْجَمِيلَةُ يَا عَزِيزَتِي نَحْتَفِظُ بِهَا بِدَاخِلِنَا دُونَ الْقَبْضِ عَلَيْهَا، وَنَعِيشُ بِهَا وَمَعَهَا بِحُرِّيَّةٍ، لَيْسَتْ حَبِيسَةً دَاخِلَ أَقْفَاصٍ مُؤْصَدَةٍ. عِيشِي حَيَاتَكِ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ كَمَا لَوْ أَنَّهَا آخِرُ لَحْظَةٍ.”
قَالَتِ الْفَتَاةُ: “نَعَمْ، الْحَقُّ مَعَكِ. خَسِرْتُ الْوَقْتَ وَلَمْ أُحَافِظْ عَلَى قِطْعَةِ السُّكَّرِ خَاصَّتِي.”




