مقالات

الاعتياد.. جرس إنذار للجرائم اليومية

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام

أخطر ما يهدد المجتمعات ليس الجريمة ذاتها، بل الاعتياد عليها.
أن نستيقظ كل يوم على خبر تحرّش جديد، وجريمة قتل أخرى، وواقعة بلطجة، ومشهد فجّ في الشارع، ثم نُكمل يومنا وكأن شيئًا لم يكن… فهنا تكمن الكارثة الحقيقية.

فالجرائم حين تتحول إلى روتين يومي، تصبح جزءًا من المشهد، وحين تصبح مألوفة، تفقد المجتمعات مناعتها الأخلاقية واحدة تلو الأخرى.

اعتدنا: على بشاعة الجرائم.
على التحرش في وضح النهار.
على وساخة بعض الجيران وقلة ذوقهم.
على بجاحة بعض البوابين وتجاوزاتهم.
على بلطجة السائقين في الشوارع.
على التدني المرعب في الأخلاق.
على انعدام التربية في السلوك قبل الكلام.

والأسوأ من كل ذلك… أننا لم نعد نستنكر بما يكفي.

الاعتياد لا يصنع فقط لا مبالاة، بل يصنع تطبيعًا مع القبح، وتعايشًا مع الخطأ، وتبريرًا للانحراف تحت مسميات زائفة مثل:
«كل الناس كده»
«هو الزمن اتغير»
«نعمل إيه؟»

لا يا سادة…
المجتمع الذي يعتاد القبح، يتحول هو نفسه إلى قبح.

أين التربية من كل هذا؟

نحن لا نعاني أزمة تعليم فقط، بل نعاني انهيارًا حقيقيًا في منظومة التربية.
فالمدارس تحولت إلى أماكن لتلقين المناهج لا لصناعة الإنسان.
والأسر أنهكها السعي وراء لقمة العيش، فغابت القدوة، وضاعت الرقابة، وضعف الانتماء.

نعلّم الأطفال الحفظ، ولا نعلّمهم الاحترام.
نعلّمهم الامتحان، ولا نعلّمهم الضمير.
نعلّمهم الشهادة، ولا نعلّمهم معنى الأمانة.

ولهذا أقولها صريحة وبلا تجميل:
نحتاج إلى فصل وزارة التربية عن وزارة التعليم.
نحتاج إلى وزارة مستقلة للتربية والتهذيب والإصلاح المجتمعي، تكون مهمتها:

بناء وعي أخلاقي حقيقي.

نشر ثقافة الاحترام في الشارع والمدرسة والبيت.

محاربة السلوك المنحرف قبل أن يتحول إلى جريمة.

صناعة مواطن قبل صناعة موظف.

نحتاج وزارة تُخاطب العقول لا بالكُتب فقط، بل: بالإعلام،
وبالمسرح،
وبالدراما،
وبالخطاب الديني المستنير،
وبالأنشطة المجتمعية الجادة.

لأن الجريمة تبدأ سلوكًا… قبل أن تصبح فعلًا

المتحرش كان طفلًا بلا رقيب.
والبلطجي كان مراهقًا بلا توجيه.
والفاسد كان طالبًا بلا ضمير.

كل جريمة كبرى، سبقها خلل صغير لم يُعالج.

ولا أخطر من مجتمع يرى الخطأ ثم يقول:
«مش شغلنا».

كلمة أخيرة

إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس ارتفاع معدل الجريمة فقط، بل انخفاض منسوب الصدمة داخلنا.
أن نصبح بلا دهشة أمام القبح… هذه هي الهزيمة الحقيقية.

إنقاذ المجتمع لن يكون بالقوانين وحدها،
ولا بالعقوبات فقط،
بل بإعادة بناء الإنسان من الداخل.

نحتاج ثورة حقيقية في الوعي، والتربية، والضمير…
قبل أن نصحو يومًا ونجد أننا لا نستنكر شيئًا على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى