شعر وأدب
الجدران القديمة..!!

بقلم ياسر سعيد
صحفي بالأهرام
لتسعة أعوام مضت تقريباً ترك والدي البيت الذي ولدت فيه أنا وأخوتي إلي منزل أكبر وأكثر اتساعاً.. بيتنا القديم كان مطلاً علي شارع العباسية الرئيسي بالقاهرة بالقرب من مستشفي القوات الجوية.. ضاحية عريقة هادئة لها طابع وقور، تركتها حين انتقلت إلي سكني الخاص العام 2004.
حنين جارف أخذني إلي هناك اليوم، ساعتين من الوقت مترجلاً علي قدماي بعد وصولي إلي هناك حيث الشارع وبين الناس، حيث ذكريات الطفولة والصبا والمراهقة وشرخ الشباب..
مررت.. بل توقفت أمام مدارسي الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية..
شوارع وطرق تحمل في كل خطوة بها ملامح البراءة الأولي والأحلام العريضة والصداقات المخلصة دون أي هوي أو غرض أو أطماع..
و كأن عقارب الساعة لم تتحرك و الزمن كأنه كما كان، لم انتبه الا علي رنين المحمول، صوت أبي الذي أعشقه: “يا بني أنت فين.. الأكل برد، أنا و والدتك مش حناكل الا معاك..”
شعرت بالجوع فجأة و رغبة ملحة لكوب من الشاي و آخر من القهوة و قد كان، ومنستش اتغدي طبعاً..
قبلت أياديهم و استمتعت بأحضانهم ذات المذاق الدافيء الرحيم و دعوات ممتدة تملأ ما بين الأرض والسماء، أسرعت مغادراً مودعاً وأبي غاضباً ككل مرة و بنفس الجملة: ” ياسر أنت مقعدتش.. ملحقتش..!!!! ” و أمي ترد عليه بهدوء من تحفظ ابنها:
” خليه علي راحته يا محمد.. “
أما أنا و بنفس الرد الدائم الثابت ” معلش.. المرة الجاية بإذن الله أقعد أكتر..!! “
تري لماذا لا تجيء هذه المرة و هل تحول بيني و بينها تلك الجدران القديمة المفقودة لمنزل نشأت و تربيت داخله كنت و لازلت أحبه و أحن إليه..؟!
سؤالي لنفسي الذي ظل يتردد بقوة في داخلي خلال طريق العودة..؟!!!