“ما حكم الالتزام المعلق على شرط غير ممكن أو مخالف للآداب العامة”

“ما حكم الالتزام المعلق على شرط غير ممكن أو مخالف للآداب العامة”.
“المواد265 :270 من القانون المدني المصري”
بداية لكي نقف على هذا الحكم لمثل هذا النوع من الإلتزام؛ يجب التعريف لبعض المصطلحات التي تعرج بمضمونها إلى حقيقة ومضمون هذا الإلتزام الذي يلتزم به المتعاقدين.
من المعلوم حتما وبالضرورة أن الإلتزام قد يكون مصدره العقد وهو توافق إرادتين”كالبيع”- أو الإرادة المنفردة “كالوصية أو الهبة” – العمل غير المشروع “هو العمل الذي يترتب عليه الإضرار بالغير” – الإثراء بلا سبب – القانون.
وانطلاقا من مصدر الإلتزام الذي ترسو مركبته نحو الرابطة التي تلزم الإرادة لإحداث أثر قانوني فإننا نعرف الالتزام: بأنه رابطة قانونية بين شخصين يلتزم بمقتضاها أحدهما ويسمى”المدين” بأداء مالي معين تجاه آخر ويسمى”الدائن”.
أما عن الشرط ومتى يكون الشرط شرطا، فقد أسدل النص القانوني بالمادة 265 مدني ستاره بأن”الإلتزام يكون معلقا على شروط إذا كان وجوده أو زواله مترتبا على أمر مستقبل غير محقق الوقوع”.
وعن كونه لغة: يعني العلامة اللازمة, أي لا تنفك عن الإنسان- وكونه اصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود. وأما عن نوعيه فمنه الواقف: وهو الذي يتوقف على تحققه وجود الالتزام، فإن تخلف لم يخرج الإلتزام إلي الوجود.
والفاسخ: هو جزاء للمتعاقد الذي أخل بالتزام من التزاماته، والأصل أن الفسخ يكون بحكم من القضاء، وقد يكون الفسخ بالاتفاق بين المتعاقدان ابتداء بواسطة شرط في العقد، فالفسخ نوعان فسخ قضائي وفسخ اتفاقي. وانطلاقا من تلك التعريفات وبالبحث حول تلك المضامين التي تدور في فلك حكم الإلتزام المعلق على شرط غير ممكن، وهو شرط يستحيل تحققه سواء كان استحالة مادية(بسبب طبيعة الأشياء) أو قانونية(بسبب حكم القانون)، ويؤدي وجوده في الالتزامات المعلقة على شرط (واقف أو فاسخ) إلى بطلان الالتزام أو اعتباره غير قائم من أساسه وفقًا للمادة 266 مدني، مما يجعله باطلاً لأنه يتعارض مع مبدأ الاحتمالية اللازمة لصحة الشرط، مثل تعليق التزام على الزواج من محرمة شرعاً، أو تعليقه على عبور المحيط سباحة. وعليه لا ينشأ الالتزام، ويُعتبر الشرط غير قائم، وبالتالي يُبطل الالتزام بأكمله وهو ما يفهم بالشرط الواقف المستحيل.أما الشرط الفاسخ المستحيل: يظل الالتزام قائماً وصحيحاً، ولكنه يُعتبر غير قائم (بمعنى أنه لا يزول)، لأنه معلق على أمر لن يتحقق أصلاً. لكون الاستحالة أما أن تكون استحالة مطلقة؛ بمعنى يستحيل على أي شخص تحقيق الشرط، فتُبطل الالتزام. وأما أن تكون استحالة نسبية؛ بمعنى يستحيل على شخص معين تحقيقه، بينما يمكن لآخرين تحقيقه، ولا يبطل الالتزام، ويُعد الشرط صحيحاً، ويترتب على تخلفه (عدم تحقيقه) زوال الالتزام.
وإليكم تلك المعاني التي أوردتها نصوص القانون المدني المصري المادة ( 266, 276 ) حيث نصت المـادة 266: (1) لا يكون الالتزام قائما إذا علق على شرط غير ممكن أو على شرط مخالف للآداب أو النظام العام، هذا إذا كان الشرط واقفا، أما إذا كان فاسخا فهو نفسه الذي يعتبر غير قائم .
2) ومع ذلك لا يقوم الالتزام الذي علق على شرط فاسخ مخالف للآداب أو النظام العام، إذا كان هذا الشرط هو السبب الدافع للالتزام.
كما نصت المـادة 267: لا يكون الالتزام قائما إذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفا على محض إرادة الملتزم.
ومن قضاء محكمة النقض أنه “إذا كان الإقرار واردا فيه أنه إذا حصل مني بيع أو رهن لأحد خلافهم (إخوة المقر) فيكون لاغيا ولا يعمل به من الآن وقبل هذا التاريخ. وإذا طلبت البيع يكون الثمن ستين جنيها عن كل فدان, فهذا القيد ليس من قبيل الشرط الإرادي الذي يكون تنفيذه متروكا لمحض إرادة الملتزم منه، وإنما هو قيد تقيد به المقر لمصلحة إخوته إذا ما اعتزم التصرف في ملكه.
(الطعن رقم 3 لسنة 10ق جلسة 18/4/1940).
وقد قضت محكمة النقض “ولما كان مفاد نص المادة 465 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه يشترط في بيع الوفاء الذي يبطله القانون أن تتجه إرادة الطرفين وقت إبرام العقد إلي احتفاظ البائع بحق استرداد المبيع خلال مدة معينة فإذا خلا البيع من هذا الشرط الإرادي المحض المتعلق بمطلق إرادة البائع كان العقد صحيحا، ولا يغير من ذلك أن يكون معلقا على شرط فاسخ غير متعلق بإرادة البائع أو متعلق بإرادته في حالة إخلال المشتري بالتزاماته. (الطعن رقم 1797 لسنة 51 ق جلسة 17/ 2/ 1986).
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ؟ هل لمحكمة الموضوع سلطة تقدريرية في تكييف الشرط أم أن ابداءه يتوقف على طرف الدعوى ؟
قضت محكمة النقض في ذلك “1- من المقرر أن تقدير ما إذا كان الإلتزام منجزا أو معلقا على شرط من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع، كما أن لها سلطة البحث في حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله بما تضمنته عباراته على ضوء الظروف التي أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات وذلك دون معقب، متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها مأخذها الصحيح وكافيا لحمل قضائه”.(الطعن رقم 185 لسنة 68 ق جلسة 18/4/1999)
“2- متى كان الحكم المطعون فيه وبصدد تكييف العقد موضوع الدعوى قرر أنه ” لا يمكن وصف العقد المبرم بين الطرفين “ببيع أطيان موقوفة” بأنه معلق على شرط احتمالي. ذلك لأن الشرط الإحتمالي هو الذي يتوقف حصوله على المصادفات المحضة دون أن يتعلق بإرادة إنسان، والصحيح أن الإلتزامات الناشئة عن العقد المذكور قد علقت على شرط موقف هو شرط موافقة هينة التصرفات بالمحكمة الشرعية على البدل. فإن تكييف الحكم لإلتزام البائع بأنه معلق على شرط واقف إنما هو تكييف صحيح”. (الطعن رقم 429 لسنة 31 ق جلسة 7/6/ 1966).
“3- إذا كان القانون هو الذي قرر الشرط وعلق عليه حكما من الأحكام فإنه يعد عنصرا من عناصر الحق ذاته ولا يتصور قيام الحق بدونه ومن ثم لا يوجد الحكم المشروط ولا يثبت إلا عند تحقق شرطه أما قبله فلا لأن الأصل أن الأثر لا يسبق المؤثر “.(طعن رقم 113 لسنة 61 ق جلسة 29/ 5/ 1997).
سؤالا آخر يطرح نفسه ؟ ماذا يفعل الدائن قبل تحقق الشرط الواقف؟ من المعلوم قانونا أن الإلتزام المعلق على شرط واقف لا يتحقق إلا بتحقق الشرط، وقبل تحقق الشرط لا يكون الإلتزام قابلا للتنفيذ القهري ولا لتنفيذ الاختياري، لكن يجوز للدائن أن يتخذ من الإجراءات ما يحافظ به على حقه. تطبيقا لنص المادة (268مدني).
لكن ماذا يفعل الدائن إذا ما تحقق الشرط الفاسخ ؟ يترتب على تحقق الشرط الفاسخ زوال الإلتزام، ويلتزم الدائن على أثر ذلك إلزامه برد ما أخذه، فإذا استحال الرد لسبب هو مسئول عنه وجب عليه التعويض .مع استثناء اعمال الإدارة التي قام بها فإنها تبقى نافذة رغم تحقق الشرط.(269 مدني).
والإستناد إلى تحقق الشرط من عدمه العبرة فيه بوقت نشوء الإلتزام، إلا إذا تبين من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة العقد أن وجود الإلتزام، أو زواله، إنما يكون في الوقت الذي تحقق فيه الشرط. ومع ذلك لا يكون للشرط أثر رجعي، إذا أصبح تنفيذ الإلتزام قبل تحقق الشرط غير ممكن لسبب أجنبي لا يد للمدين فيه.(270 مدني).
فمن المقرر في قضاء النقض ” أن الإلتزام في عقد الهبة – شأنه شأن سائر العقود – قد يكون معلقا على شرط فاسخ ، فإذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال الإلتزام جاز للواهب أن يسترد ما وهبه ولا يشترط في هذه الحالة أن يستند الواهب إلي عذر مقبول وإنما يكفي تحقق الشرط ، كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بقيام مانع من الرجوع في الهبة، لأن العقد شريعة المتعاقدين ويجب عليهما تنفيذ ما اشتمل عليه ، ويقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة بينهما ، بل هو ينسخ القانون في دائرة النظام العام والآداب.ولما كانت محكمة الموضوع بمالها من سلطة تفسير العقود قد استظهرت – للأسباب السائغة السابق بيانها بأن الدولة وهبت جمعية الاقتصاد لموظفي البريد التي يمثلها الطاعن المبلغ موضوع النزاع هبة معلقة على شرط فاسخ هو عدم استحقاق مستخدمي المصلحة الخارجين على الهيئة والمؤقتين لمكافآت من قبل الدولة، وأن هذا الشرط قد تحقق بصدور القانون رقم 545 لسنة 1953 الذي حمل الدولة بالمكافآت المستحقة لهم، ورتب الحكم على ذلك قضاءه برد المبلغ الموهوب فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون”.
(طعن رقم 351 لسنة 44ق جلسة 16/ 3/ 1978).
وبالتالي يتم الدفع بالبطلان لو أن الالتزام كان معلقا على شرط غير ممكن أو مخالف للآداب العامة؛ كما أن لمحكمة الموضوع سلطتها في البحث عن حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله.
دكتور محمد عويان المحامي بالنقض.




