مقالات

ركن السبب ومدى أثره في بطلان العقد

بقلم الدكتور محمد عويان المحامي بالنقض

بادئ ذي بدء, من المعلوم أن العقد اتفاق قانوني بين طرفين أو أكثر، يتفقون فيه على حقوق ومسؤوليات كل طرف. ومن عناصره: العرض، والقبول، والوعي، والاعتبار، والأهلية.وللعقد أركان رئيسية لا يصح إلا بها وهي: التراضي (الإيجاب والقبول) – المحل (موضوع العقد)- السبب (الغرض المشروع من التعاقد). ويشترط لصحة الرضا أن يكون خالياً من العيوب مثل الغلط، التدليس، الإكراه، والغبن. وفي حال وجود أي من هذه العيوب، يمكن للطرف المتضرر طلب إبطال العقد. ويشترط في اعتبار المحل: أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين ومشروعاً؛ ويمكن أن يكون شيئاً مادياً أو معنوياً، ويشترط أن يكون متوافقاً مع النظام العام والآداب.

كما أنه يتطلب شروطا مثل المصداقية المالية (القدرة على الوفاء بالالتزامات) لمرافق الائتمان (المتجددة)، وموافقة المساهمين المطلوبة للمعاملات الكبرى (الاندماج والاستحواذ) أو الموافقة من قبل سلطات قانون المنافسة في بعض العقود. فتوافر أركان العقد يجب أن تكون بشكل صحيح, فإن العقد يصبح باطلاً أو قابلاً للإبطال إذ ما انعدم أحد أركانه.

وبما أن السبب من أهم أركان العقد فقد نظم المشرع المصري أحكامه في المواد 136, 137.
حيث نصت المادة 136 مدني “سبب الالتزام” بأن العقد يكون باطلاً “إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب”. وتؤكد أن القانون يفترض وجود سبب مشروع للالتزام ما لم يثبت العكس، وأن السبب المذكور هو الحقيقي ما لم يُثبت تزويره أو صوريته، وعبء إثبات عدم المشروعية يقع على من يدعي ذلك.
فالسبب في الالتزام: هو الدافع أو الباعث الذي دفع المتعاقدين إلى إبرام العقد، مثل دفع مقابل شيء أو الحصول على منفعة.

فالقانون يفترض أن لكل عقد سبباً مشروعاً، حتى لو لم يُذكر صراحة في العقد، ويكون عبء اثبات عدم وجود السبب أو عدم مشروعيته على عاتق المدين الذي يدعي ذلك.

فإذا ثبت عدم وجود السبب أو مخالفته للنظام العام والآداب، فإن العقد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً. فمن أمثلة ذلك فلو أن عقد بيع سيارة قصد استخدامها في اعمال منافية للآداب العامة, فإنه يكون باطلاً لأن سببه (الاستخدام غير المشروع) مخالف للنظام العام.

فحكم نص المادة المذكورة بعاليه؛ من أهم ركائز نظرية العقد وتضمن أن لا تنشأ الالتزامات إلا لغايات مشروعة. وقد نصت المادة 137 من القانون المدني على أنه “كل التزام لم يُذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً، ما لم يقم الدليل على غير ذلك”. كما تنص على أن “السبب المذكور في العقد يعتبر السبب الحقيقي، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك”. إذا ثبت صورية السبب، فيجب على من يدعي أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ذلك.

والمستقر عليه في قضاء النقض أن ” السبب ركن من أركان العقد فينظر في توفره وعدم توفره إلي وقت انعقاد العقد صحيحا بتوفر سببه فإنه لا يمكن أن يقال بعد ذلك بتخلف هذا السبب بعد وجوده. فإذا كانت المظنة هي السبب في هذا النوع من الهبات – الشبكة – وذلك باعتبارها الباعث الدافع للتبرع فإن فسخها لا يمكن أن يؤدي إلى انعدام هذا السبب بعد أن تحقق. “طعن رقم 302 لسنة 28ق جلسة 24/10/1963”.

“لما كانت المادة 551 مدني لا تجيز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية فإن التنازل عن طلب الحجر يكون عديم الأثر قانونا, ومن ثم فإذا كانت محكمة الموضوع قد استخلصت بأدلة سائغة في حدود سلطتها الموضوعية, أن عقد البيع قد انعقد مقابل التنازل عن دعوى حجر وأن ثمنا لم يدفع, فإنها تكون قد تحققت من صورية السبب الوارد في العقد, والحكم المطعون فيه , إذا انتهى إلى بطلان عقد البيع لا يكون قد خالف القانون”. “طعن رقم 86 لسنة 26 ق جلسة 27/ 12/ 1962″.

” مجرد توقيع مصدر السند عليه يفيد التزامه بدفع قيمته ولو لم يذكر فيه سبب المديونية ذلك أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سببا مشروعا , ما لم يقم الدليل على غير ذلك , ويقع عبء الإثبات على من يدعي انعدام السبب”. “طعن رقم 199 لسنة 21 ق جلسة 8/4/ 1954”.

“مؤدى ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 137 مدني . أن المشرع وضع قرينة يفترض بمقتضاها أن للعقد سببا مشروعا ولو لم يذكر هذا السبب فإذا ادعى المدين انعدام السبب أو عدم مشروعيته فإن عبء إثبات ذلك يقع على عاتقه ” طعن رقم 267 لسنة 56 ق جلسة 17/ 5/ 1990″.

فمن المقرر أيضا ” أن مؤدى نص المادتين 136, 137 مدني أن المشرع وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للدين سببا مشروعا ولو لم يذكر هذا السبب في سند الدين, فإن ذكر فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله, وإن ادعى المدين أن السبب المذكور في السند غير صحيح أو أنه سبب صوري كان عليه أن يقيم الدليل على ذلك.”الطعن رقم 8301 لسنة 78 ق – جلسة 25/ 6/ 2025 مكتب فني سنة 66ق 144ص 970″.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى