مقالات

الأدب بين اليوجا وعلم التشريح.. بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة

فى ثلاثية فريدة تربط بين المشاعر وترويض النفس دينياً والواقع، أكتب مقالى لأبرهن لكم انها ليست مصادفة أن يكون تركيب أجسامنا واحد.. فلنا رئتان مثلما للحصان و الحوت و العصفور.. و أن رقبة الزرافة بها سبع فقرات مثل رقبتنا القصيرة . و بالمثل أجنحة الخفافيش هي أذرع مثل أذرعنا لها العدد نفسه من الأصابع و العظام و المفاصل، كل ما تمتاز به أن جلدها مشدود عليها كالستارة. ونحن و الشجر متألفان من المواد ذاتها.. كربون و ماء و أملاح معدنية. و كلانا نتحول بالاحتراق إلى فحم ثم إلى تراب. هذا التراب يحتوي على المواد نفسها التي تتركب منها الشمس و النجوم و الكواكب. فهل كل هذا مصادفة دون رب قدير؟! فأين الملحدون؟!

لكن رغم أننا مؤمنون بالله إلا أن أغلبنا يركب قطار اللذة ولا يرتوى، رغم أننا نعيش رفاهية لم يدركها قارون أو فرعون؟ فلماذا يطمع أحدنا فى زوجة الآخر أو ماله؟
الرضا ليس أن تملك الكثير. الرضا أن لا تنكسر أمام ما لا تملك. الرضا أن تنظر إلى يد الله لا إلى أيدي الناس. الله، الذي خلقك ويعلم ضعف قلبك، يقول لك برفقٍ عجيب: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ). تلك الآية لا تمنعك من النظر, بل تمنع قلبك من الانكسار أمام ما لم يُكتب لك. الإنسان لا ينكسر من قِلّة ما يملك، بل ينكسر حين ينظر إلى ما يملك غيره، حينها تكثر المقارنات، ويتمدد معها الحزن، وكلاهما يسرق منك رضاك، ويُطفئوا نعمةً كانت بين يديك ولم تنتبه لها.

القلب الذي يُقارن. لا يشكر، والقلب الذي لا يشكر. لا يُبارك الله له في شيء.
لذلك البؤس موجود و التعاسة مازالوا هما القاعدة و الشكوى مستمرة على جميع المستويات.. تشهد بذلك أعمدة الصحف ووجوه الناس.

إنها الرغبة التي لا تشبع، مفتوحة الشهية على كل ممنوع و مجهول. فهل الحل كما نادى بوذا فى ديانته بقتل الرغبة و الخلاص منها باعتبارها سبب الشقاء؟

علّمنا النبي ﷺ كلمة تُعيد القلب إلى طريقه الصحيح حين يعجبك شيء من زخارف الدنيا، وتشعر بقلبك يميل إليه ميلًا زائدًا: “اللهم إنّ العيش عيش الآخرة.” لأن الله يُعطي الراضي ما لا يعطيه للساعي وراء ما عند الناس. ففي كل لذة جرثومة فنائها.
فالجميع يلهث باحثاً عن السعادة وعن المزيد من التملك. وفى مسيرة بحثه لامتلاك المزيد يحدث العكس ويصبح هو مملوك لممتلكاته التى يحاول تنميتها والحفاظ عليها.
الدنيا مجرد إثارة تُختبر بها الشهامة و النبل و العفة. والحل الوحيد تجده فى ترويض النفس والرضى بما قسمه الله.

نسينا وسط طمعنا كيف نعيش الحياة كما ينبغي، فصرنا نُصارعها. أحيانًا تجد معارك داخل البيت أشد ضراوة من تلك التي في الخارج. نزاعات لا تُروى، وجراح لا تُرى، وصمتٌ يصرخ في الزوايا.

فاحذر أن تشتكِ الله للبشر، فلا يليق بالمؤمن أن يشتكى ربه للعباد.
لكن ما علاقة الأدب والمشاعر بعلم التشريح؟

فى علم التشريح تجد أن الإنسان له أكثر من غلاف وكسوة من جلد ولحم وعظام وأعصاب… أقنعة كثيرة. فالإنسان مجموعة من الأحشاء في قرطاس من الجلد.
القلب والعواطف هما الزامر الذي ينفخ من الداخل في ذلك البوق الجسدي الذي يتألف من الفم و اللسان و الشفتين و اليدين و الرجلين فتنطق و تتحرك كأنما هي دمى خشبية تحركها خيوط خفية من وراء خباء، كما وصفهما د. مصطفى محمود.
لذلك أرى أن الإنسان بلا عاطفة هو جسد أجوف وضعيف لا عمر له ولا طاقة.

فلماذا نتقاتل ولا نتعاون طالما أننا واحد من مادة أولية واحدة؟ وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة يوجا بالهندية وهو الإتحاد وألا تنظر إلى الدنيا على أنها أنت و هو و هي و هم.. ثم تتقاتلون جميعا.. فهذه خدعة.. فنحن جميعا واحد، و ما يقع للآخر يقع عليك من حيث لا تدري.. و الألم الذي توقعه بالآخرين يجرحك حيث لا تحس في أعمق الأعماق. علوم اليوجا تقول إنك لا تستطيع أن تدركها إلا إذا تحررت من تقاليدك.. و أخضعت جسدك و عواطفك و غرائزك و عقلك تماما.

هذا الصراع بينك و بين الآخرين هو تخريب أساسي لفطرة واحدة. إذا أردت أن تعيش بكل وجودك فعليك أن تفتح ذراعيك لتحتضن كل شي.
و حيثما توجهت لن تكون في غربة، فالطبيعة حولك هي أنت.. و الناس هم أنت..  والوردة هي أنت.. و النجوم أنت.
إذا أردت أن تسمع صوت الله في داخلك فلا بد من إسكات صوت الجسد والنفس  والغريزة والعقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى