بين الفساد والتميز.. معركة لا تنتهي

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
في كل مكان عمل، هناك من يسعى للإتقان والنجاح، وهناك من يسعى لتعطيل النجاح لأن بريق غيره يزعجه.
تلك ليست منافسة شريفة، بل حرب نفسية خفية يخوضها البعض ضد كل مخلص ومتفوق، فقط لأنهم لا يحتملون رؤية النور الذي لا يصدر عنهم.
الأنانية.. داء النفوس الضعيفة
الأنانية ليست مجرد حب الذات، بل هي مرض خفي يجعل صاحبه يرى العالم من زاوية واحدة: نفسه فقط.
فهو لا يحتمل أن يراه أحد في الظل، ولا أن يسبقه أحد بخطوة، فيبدأ — بوعي أو بغير وعي — حربًا باردة ضد كل ناجح، يسعى إلى تحطيم المعنويات، ونشر الإحباط، وتشويه الصورة.
إنها حروب من نوع مختلف، لا تُطلق فيها الرصاصات، بل الكلمات الجارحة، والإشاعات المسمومة، والمواقف المزدوجة، والابتسامات الزائفة.
الأناني لا يريد أن يفشل غيره فقط، بل يريد أن يبقى وحده في القمة ولو وسط الخراب.
النجاح يثير الحقد، لا الحماسة
في بيئات العمل التي يغيب عنها الضمير، يتحول النجاح من حافز إلى خطر، ومن مصدر إلهام إلى سبب حرب.
النفوس المريضة لا تطيق أن ترى من يتقدم بجهده، لأنها اعتادت أن تصل بالوساطة، أو التملق، أو الفساد الإداري.
لذلك حين يظهر إنسان نقيّ، موهوب، يعمل في صمت، تبدأ أجهزة المقاومة الخفية في التحرك ضده.
فجأة تُختلق المشاكل، وتُمنع الفرص، ويُهمَّش الكفاء، فقط لأن هناك من يخاف المقارنة.
إنه منطق الفاسدين: إما أن نكون نحن في الضوء، أو لن يراه أحد.
الحروب النفسية في العمل
الحروب النفسية في بيئة العمل أخطر من أي صراع مادي، لأنها تستنزف الروح قبل الجسد.
تبدأ بنظرة استعلاء، ثم بتقليل متعمد من الجهد، ثم بالتشكيك في النوايا، وتنتهي بتهميش الكفاءات.
وللأسف، أحيانًا تكون تلك الحروب بأيدي من يُفترض أن يكونوا قادة وقدوة، فإذا بهم يحاربون الطموح باسم “الانضباط”، ويكافئون الفشل باسم “الخبرة”.
لكن الحقيقة أن النجاح لا يُحارب إلا حين يفضح الفشل، وأن الموهبة تُحاصر لأنها تُعري الزيف.
بين الفساد والتميز.. معركة لا تنتهي
الفساد لا يخاف أحدًا مثلما يخاف الناجح الشريف، لأنه مرآة تفضح ما يحاولون إخفاءه.
ولذلك نجد الفاسدين يتحدون حين يشعرون أن أحدًا سيكسر احتكارهم للسلطة أو الضوء.
إنهم يكرهون النور لأنهم يعيشون في الظلال، ويخشون الشفافية لأنها تكشفهم، ويعادون كل ما هو مبدع لأن الإبداع لا يخضع لأحد.
ومع ذلك، سيبقى النجاح عصيًا على القهر، لأن الحق لا يموت بصوت الباطل، والكفاءة لا تُطفأ بضجيج الحقد.
رسالة إلى كل ناجح
لا تنكسر.
فكل حرب نفسية ضدك هي دليل على قوتك لا ضعفك.
وكل محاولة لإسقاطك تعني أنك ارتفعت فعلاً فوق رؤوس كثيرة.
استمر في طريقك، واعمل بإخلاص، وكن على يقين أن التاريخ لا يذكر من أفسد، بل من صنع فرقًا.
أما الفاسدون، فربما يربحون معركة، لكنهم يخسرون احترام الزمن، وهو الحكم العادل الذي لا يُجامل أحدًا.
الأنانية والفساد وجهان لعملة واحدة، عملة زائفة لا تصمد أمام اختبار الوقت.
أما الإخلاص والتميز فهما العملة النادرة التي يراهن عليها الشرفاء.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة واضحة:
من يعمل بحب لا يُهزم، ومن يحارب النجاح إنما يحارب نفسه.